الضبط الاداري البيئي
الفصل الثاني
وسائل تدخل الجماعات المحلية في مجال حماية البيئة
لقد سخّر المشرع الجزائري و جعل بين أيدي الجماعات المحلية مجموعة من الوسائل و الآليات القانونية للقيام بمهامها في مجال حماية البيئة ، و تكون لها سند في الرقابة على الأعمال و مدى تطبيق القوانين ، و هذا بعدما تيقّن - المشرع الجزائري - أنه وبرغم إسهام التشريعات البيئية في إتاحة المجال للجماعات المحلية لأداء دورها إلا أنه رأى بأن القوانين وحدها غير كافية للحد من ظاهرة التعسف على البيئة وأنه لابّد من إيجاد مجموعة من الوسائل لكي تمدّ يد العون للقوانين وتساهم في حماية البيئة للوصول إلى محيط و بيئة نظيفة خالية من جميع أشكال التلوث.
هذه الوسائل تختلف حسب طبيعة المهمة المراد تحقيقها فقد تتدخل بصفة إنفرادية حسب سلطات وصلاحيات الضبط الإداري المخوّلة لها قانونا " المبحث الأول" و يأخذ هنا التدخل شكل القرار الإداري مثل الرخص .
وقد تعتمد الجماعات المحلية أسلوب التخطيط أي وضع مخططات طويلة أو متوسطة أو قصيرة المدى لحماية البيئة " المبحث الثاني" ، كما يمكن أن يأخذ التدخل شكل الإتفاق بين الإدارة المحلية و المتعاقدين الخواص - أصحاب المؤسسات الخاصة التي تنشط في مجال حماية البيئة - من خلال إشراكها في تحقيق مشاريع مرتبطة بمشاكل البيئة و كذا تسييرها للمرافق العامة التي لها علاقة بحماية البيئة " المبحث الثالث".
المبحث الأول : الضبط الإداري البيئي
إعترفت النصوص القانونية في الجزائر للهيئات المحلية " الولاية، البلدية" بصلاحيات ضبطية في مجال حماية البيئة و تتوزع تلك الصلاحيات و تتناثر بين النصوص العامة كما هو الحال بالنسبة لقانوني البلدية و الولاية و قانون حماية البيئة نفسه من جهة ، و النصوص الخاصة بحماية مجالات معينة لها علاقة مباشرة بالبيئة من جهة أخرى .
فالضبط الإداري يعتبر أفضل الوسائل و الأدوات التي بحوزة الإدارة في تنفيذ و تجسيد حماية البيئة من أخطار التلوث ، لاسيما أن مهام الضبط الإداري ذات طابع وقائي بإعتبارها تهدف إلى المحافظة على النظام العام، بإتخاذ ما يلزم من تدابير و إجراءات لتفادي المساس به في مختلف عناصره ، وهذا ما يتطابق و ينسجم مع أهم مبادئ استراتيجية حماية البيئة التي تقوم على مبدأ الوقاية ، وعلى ذلك فالضبط الإداري " البيئي" يؤدي دورا كبيرا في حماية البيئة .
يستوقفنا كل هذا للبحث عن مفهوم الضبط الإداري البيئي" المطلب الأول" من خلال تعريفه و بيان غرضه و خصائصه ثم التطرق إلى الإجراءات الإدارية القبلية لحماية البيئة " المطلب الثاني " و نعرج على الإجراءات الإدارية البعدية لحماية البيئة " المطلب الثالث " و في الأخير عن مشاكل و معوقات ممارسة الضبط الإداري المحلي" المطلب الرابع"
المطلب الأول: مفهوم الضبط الإداري البيئي
من المؤكد أنه في مجال البيئة توجد لوائح ضبطية تهدف لحظر و مراقبة الأنشطة البشرية المزعجة للوسط الطبيعي، و مثل جميع القواعد الضبطية يجب أن تتوافق قانوناً مع ضرورات ضمان أهداف النظام العام المتمثلة تقليديا في الأمن العام و السكينة العامة و الصحة العامة .
فقد بات من الثابت لدى الباحثين و المهتمين بشؤون البيئة مدى الإرتباط الوثيق بين أهداف الضبط الإداري و أغراض حماية البيئة، بل يكون أكثر وضوحا على الصعيد العملي أو الميداني، لأن تدخّل الهيئات الإدارية بممارسة صلاحيات سلطات الضبط الإداري التيّ خوّلها لها القانون لأجل حفظ النظام العام داخل المجتمع سيؤدي حتما إلى تحقيق مقصد من مقاصد البيئة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر .
وعموما يمكن للشواغل البيئية أن تندرج بسهولة ضمن الأهداف التقليدية ، ومع مراعاة تعدد و تزايد الضبط المختص في مجال التلوث و حماية الطبيعة أثير التساؤل عما إذا كانت لا تتوافق مع ضبط إداري واحد متخصص في النظام الإيكولوجي ، حيث أن ذلك يحوي ميزة واحدة على الأقل من الناحية النظرية تتمثل في جمع النصوص المتناثرة في مجال البيئة و إعطائها أساسا مشتركا ، فكل هذه القواعد تهدف إلى ردع الإنسان لإحترام القوانين البيولوجية و التوازن الإيكولوجي العام .
كما أن مضمون النظام العام يتنوع حسب معتقدات و إحتياجات المجتمع فهو تعبير عن التوافق ، ويمكن أن نعتبر أنه و منذ تطبيق سياسة بيئية و الإعتراف بالمصلحة العامة لهذه السياسة فإننا نشهد ظهور نظام عام جديد يهدف إلى حماية البيئة .
وهذا ما عجّل بظهور القانون الإداري البيئي كفرع حديث للقانون الإداري بإعتبار أن الإدارة أصبحت صاحبة الإختصاص الأصيل في مجال المحافظة على البيئة ، و تسخير سلطاتها لتجسيد السلطة الوقائية المتمثلة في الضبط الإداري البيئي .
الفرع الأول: تعريف الضبط الإداري البيئي
لمّا كان المراد بالضبط الإداري مجموعة قواعد تفرضها السلطة العامة على الأفراد بمناسبة ممارستهم لنشاط معين بقصد صيانة النظام و تنظيم المجتمع تنظيما وقائيا ، أو الأعمال و الإجراءات و الأساليب القانونية و المادية و الفنية التي تقوم بها السلطات الإدارية المختصة ، وذلك بهدف ضمان المحافظة على النظام العام بطريقة وقائية في نطاق النظام القانوني للحقوق و الحريات السائدة في الدولة فإن الضبط الإداري البيئي هو مجموعة الإجراءات و القيود التي تفرضها الإدارة على الأشخاص من أجل الحفاظ على البيئة ، فهو إذن وسيلة تجسّد الحماية الوقائية للبيئة ببذل التدابير المناسبة لصيانة المجالات المحمية وفقا لقانون البيئة ،
فقد عددّت المادة 31 من قانون البيئة 03-10 تلك المجالات وهي " المحمية الطبيعية ، الحدائق الوطنية ، المعالم الطبيعية ،مجالات تسيير المواضيع و السلالات ، المناظر الأرضية و البحرية المحمية ، المجالات المحمية للمصادر الطبيعية الميسّرة ، كما أسس القانون مجموعة من المقتضيات الرئيسية لحماية البيئة و تتمثل في التنوع البيولوجي و الهواء و الماء و الجو و الأوساط المائية ، الأرض و باطن الأرض، الأوساط الصحراوية و الإطار المعيشي .
كما حدّد المشرع في قانون حماية البيئة و قوانين قطاعية أخرى مختلف الأفعال التي تشكل إضرارا أو خطرا عليها وكمثال ذلك حدّدت المادة 44 من هذا القانون صور التلوث المهدد للهواء و الجو الناجمة عن المواد التي من شأنها تشكيل خطر على الصحة البشرية ، التأثير على المتغيّرات المناخية........إلخ .
ولتضمن الدولة حراسة مختلف مكونات البيئة ، يجب عليها في هذا الإطار أن تضبط القيم القصوى ومستوى الإنذار و أهداف النوعية ، لاسيما فيما تعلق بالهواء و الماء و الأرض و باطن الأرض و كذا إجراءات حراسة هذه الأوساط المستقبلية ، و التدابير التي يجب إتخاذها في حالة وضعية خاصة ، وأحال المشرع تطبيق ذلك للتنظيم .
الفرع الثاني: غرض الضبط الإداري البيئي
بما أن الضبط الإداري مجموعة قيود صادرة عن سلطة عامة الهدف منه المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة ، الأمن العام ، الصحة العامة و السكينة العامة ، فلاشكّ أن غرض الضبط الإداري البيئي لا يخرج عن غرض الضبط الإداري بوجه عام غير أنه متميّز سواء من حيث تحقيق الأمن البيئي أو الصحة البيئية أو السكينة البيئية .
أولا: الأمن البيئي العام
المقصود بالأمن العام إستتباب الأمن و النظام في المدن و القرى و الأحياء بما يحقق الإطمئنان لدى الجمهور على أنفسهم و أولادهم و أغراضهم و أموالهم من كل خطر قد يكونون عرضة له فهو ضرورة أن توفر الدولة للأفراد الطمأنينة على أنفسهم و أموالهم وأغراضهم من خطر الإعتداء سواء أكان مصدره الطبيعة كالفيضانات و البراكين و الزلازل و الحرائق أو كان مصدره الإنسان كما في حالة الإشعاعات النووية ، أم كان مصدره الحيوان هروب حيوان مفترس و تواجده بين الناس أم كان مصدره الأشياء كإنهيار المنازل على المارة .
ومنه فإن الأمن البيئي العام ضرورة توفّرها الدولة للأفراد من خلال حماية بيئتهم ممّا يمسّها بفعل الإنسان أو بنازلة من الطبيعة.
ثانيا: الصحة البيئية العامة
المقصود بها حماية الأفراد ووقايتهم من خطر إنتشار الأمراض المعدية و نظافة الأغذية وصلاحية المياه عن طريق إتخاذ التدابير الوقائية التي من شأنها منع حدوث ذلك
فالصحة البيئية العامة لا تشمل صحة الإنسان فقط بل تتعدّى لتشمل صحة الحيوان و النبات بالإضافة إلى الأنظمة الخاصة بالحماية كحماية المياه العذبة و حماية البحر و حماية الأوساط الصحراوية وحماية الأرض و باطنها و حماية الإطار المعيشي و الحماية من المواد الكيميائية و الإشعاع ،و التي تؤثّر على صحة الكائنات الحية " إنسان ، حيوان" و الكائنات غير الحية " نبات" ، كما يجسّد الصحة البيئية العامة بمفهومها الواسع.
كما ألزم المشرع كل شخص طبيعي أو معنوي بحوزته معلومات متعلقة بالعناصر البيئية التي يمكنها التأثير بصفة مباشرة أو غير مباشرة على الصحة العمومية تبليغ هذه المعلومات إلى السلطات المحلية أو السلطات المكلفة بالبيئة ، فتلوث البيئة بصوره المختلفة يعتبر أهم العوامل التي تضر بصحة الإنسان وتصيبه بالأمراض لذلك فمكافحة التلوّث تؤدي إلى المحافظة على الصحة العامة .
ثالثا : السكينة البيئية العامة
السكينة العامة مقصد من مقاصد الضبط الإداري و تعني المحافظة على هدوء و سكون الطرق والأماكن العامة لوقاية الناس من الضوضاء والإزعاج والصخب والمضايقات السمعية خاصة في أوقات راحتهم من ذلك مكبرات الصوت و آلات التنبيه في السيارات و أصوات الباعة المتجوّلين ..........إلخ فالهيئات الإدارية التي تملك سلطات الضبط تتخذ الإجراءات التي توفر للسكان و الجمهور الطمأنينة والراحة و الهدوء .
أما السكينة البيئية العامة فهي عدم مضايقة الأفراد فيما تعلق بالبيئة المشتركة ، وقد تبنّى قانون البيئة القديم 03-83 ذلك من خلال التدابير الواجب إتخاذها قصد تفادي إفراز الصخب الذّيّ من شأنه أن يزعج السكان أو يضرّ بصحتهم .
كما أقّر قانون البيئة الجديد03-10 ذلك في الفصل الثاني من الباب الرابع حيث ضمّن السكينة العامة البيئية ضمن مقتضيات الحماية من الأضرار السمعية للحدّ و الوقاية من إنبعاث و إنتشار الأصوات أو الذبذبات و إنتقال الضوضاء التي قد تشكّل أخطارا تضّر بصحة الإنسان أو تمسّ بالبيئة .
الفرع الثالث: خصائص الضبط الإداري البيئي
الضبط الإداري البيئي مثله مثل الضبط الإداري يتمتّع بجملة من الخصائص تميّزه عن غيره من نشاطات الإدارة الأخرى حيث يمكن حصرها في:
أولا : الصفة الإنفرادية
إنّ الضبط الإداري في جميع الحالات إجراء تباشره السلطة الإدارية بمفردها و تستهدف من خلاله المحافظة على النظام و ما على الفرد إلا الخضوع و الإمتثال لجملة الإجراءات التي فرضتها الإدارة وهذا طبعا وفق ما يحدده القانون .
والضبط الإداري البيئي لا يخرج عن هذه الخاصية حيث أعطى المشرع الجزائري للإدارة سلطة الضبط في مراقبة التوازن البيئي وذلك بمنحها وسائل التدخّل عن طريق إستعمال إمتيازات السلطة العامة ، فمثلا تلجأ الإدارة إلى وسيلة الحظر لمنع إتيان بعض التصرفات بسبب الخطورة التي تنجم عن ممارستها عن طريق إصدار قرارات إدارية ، فهو يعتبر من الأعمال الإدارية الإنفرادية " مثلا حظر ممارسة نشاط يضر بالبيئة " .
ثانيا: الصفة الوقائية
يتميّز الضبط الإداري بالطابع الوقائي فهو يدرأ المخاطر عن الأفراد و خاصية الوقائية هي المبدأ الأساسي للضبط الإداري البيئي ، فالإدارة مثلا عندما تفرض تراخيص وإعتماد لممارسة بعض الأنشطة التجارية " إستغلال المناجم أو المحاجر" فإن ذلك بغرض حماية أمن الأشخاص ووقايتهم من كل خطر قد يلحق بهم و يكون ناتجا عن هذا الإستغلال ، فالحكمة تكمن من وراء فرض نظام الترخيص في تمكين سلطات الضبط الإداري من التدّخل مقدما في الأنشطة الفردية و اتخاذ الاحتياطات اللازمة لوقاية المجتمع من الأخطار التي قد تنجم عن ممارسة النشاط الفردي بشكل غير آمن و الذّيّ يقدّر المشرع خطورته على البيئة .
ثالثا: الصفة التقديرية
المقصود بها أن للإدارة سلطة تقديرية في ممارسة الإجراءات الضبطية ، أي عندما تقدّر السلطات الإدارية أن عملا ما سينتج عنه خطر يتعين عليها التدخّل قبل وقوعه بغرض المحافظة على النظام العام يقابله مبدأ الحيطة في المبادئ العامة لحماية البيئة ، فالضبط الإداري البيئي يتميّز بخاصية الحيطة وتقدير المخاطر، فعدم توفّر التقنيات لا يجب أن يكون سببا في تأخير إتخاذ التدابير الفعلية و المتناسبة للوقاية من خطر الأضرار الجسيمة المضرة بالبيئة ،كما أن السلطة الإدارية إن قدّرت عدم منح رخصة لنشاط معين فإنها لا شكّ رأت أن هناك مخاطر تنتج عن هذا النشاط .
المطلب الثاني: الإجراءات الإدارية القبلية لحماية البيئة
إنتهج المشرع الجزائري في وضعه للقواعد القانونية المتعلقة بالحماية الإدارية للبيئة الطابع الإزدواجي في الصياغة ، فهو يحدد الإجراءات الوقائية التي تحول دون وقوع الإعتداء على البيئة من جهة ،و من جهة أخرى يحدد الجزاءات الإدارية المترتبة عن مخالفتها، و حين نتكلم عن الإجراءات الوقائية التي يضعها المشرع بصفة عامة فإننا نقصد بذلك تلك القواعد القانونية التي تمنع وقوع السلوك المخالف لإرادة المشرّع و هي تعّد بذلك بمثابة الوقاية السابقة المخّولة لسلطات الضبط الإداري لضبط كافة الإعتداءات التي تنتهك القواعد القانونية .
وقد وضع المشرّع الجزائري في هذا الصدد مجموعة من الإجراءات القانونية الوقائية لحماية البيئة في مختلف جوانبها سواء تعّلق الأمر بحماية الموارد المائية أو المجال الطبيعي أو الإطار المعيشي والتي تناولتها القوانين وتصّب في الإطار العام لحماية البيئة .
إذن الإجراءات الرقابية القبلية الكفيلة بحماية البيئة تلكم الأدوات القانونية التي تمنع وقوع السلوك
المخالف لإرادة المشّرع والذي قد يضر بالبيئة في أحد عناصرها و تتمثّل أهمّ الإجراءات في كل من الترخيص و الحظر و الإلزام و نظام التقارير و دراسة مدى التأثير .
الفرع الأول : نظام الترخيص
يقصد بالترخيص بإعتباره عملا من الأعمال القانونية ، ذلك الإذن الصادر عن الإدارة لممارسة نشاط معين ، وبالتالي فإن ممارسة النشاط الإداري هنا مرهون بمنح الترخيص ، إذ لابّد من الحصول على الإذن المسبق من طرف السلطات المعنية وهي السلطة الضابطة .
وعرّف أيضا بأنه ذلك الإذن الصادر من الجهة الإدارية المختصة و هذا بعد دراسة الملف التقني والفني و توافر الشروط القانونية و إتمام دراسة التأثير على البيئة ، ففي العادة يتولّىّ القانون أو التنظيم تحديد شروط منح الترخيص و مدته و إمكانية تجديده بينما تتولّى الإدارة مهمة منح الترخيص إذا ما توافرت الشروط اللازمة التي يحددها القانون .
كما أن التراخيص الخاصة بالأنشطة ذات الخطورة المحتملة على البيئة لها طبيعة عينية و ليست شخصية ذلك على إعتبار أن محل الإعتبار في القانون هو النشاط المرخص به و ظروف مزاولته وهو الأمر الذي يسمح بنقل التراخيص من المرخّص له الأصلي إلى غيره عن طريق التنازل أو الوفاة غير أنه يجب على المتنازل إليه أن يقدم طلبا إلى الإدارة المختصة لنقل الترخيص بإسمه خلال مدة معينّة يحددها القانون .
أما من حيث الجهة أو السلطة المختصة بإصدار التراخيص فقد تكون من السلطات المحلية كإختصاص أصيل " رئيس البلدية أو الوالي في مجال رخص البناء مثلا" أو قد تكون السلطات المركزية بالنسبة لإقامة المشاريع ذات الأهمية و هذا بعد أخذ الرأي الإستشاري للجهة المحلية المختصة و لهذا الأسلوب تطبيق واسع في مجال حماية البيئة .
إن الحكمة من فرض نظام الترخيص في المجال البيئي هو تمكين الإدارة من التدخّل مقدما في كيفية القيام ببعض الأنشطة المضرة بالبيئة وهي التي ترتبط بحفظ النظام العام البيئي و ذلك لتمكين السلطات الإدارية من إتخاذ الإحتياطات اللازمة لوقاية المجتمع من الخطر الذي قد يترّتب على ممارستها في كل حالة تبعا لظروفها من حيث المكان والزمان، ومراقبة سير النشاط المرخص به و فرض إشتراطات جديدة على إستغلاله إذا إستدعى الأمر ذلك .
وقد تضمن التشريع الجزائي الإشارة إلى العديد من التراخيص في مجال الضبط الإداري المتعلّق بحماية البيئة، وعليه سنقتصر الدراسة على أهم تطبيقات هذا الأسلوب:
أولا: رخصة البناء
يبدو للوهلة الأولى أنه لا علاقة بين رخصة البناء و حماية البيئة إلا أنه بإستقراء مواد القانون 90-29 المتعلق بالتهيئة و التعمير يظهر أن هناك علاقة وطيدة بين حماية البيئة ورخصة البناء، وأن هذه الأخيرة هي أهمّ التراخيص المعبّرة عن الرقابة السابقة على المحيط البيئي و الوسط الطبيعي فهي تشكل جانبا هاما من جوانب الرقابة الممارسة على الإستهلاك العشوائي للمحيط ، إذ نصّ قانون التهيئة والتعمير على ضرورة الحصول على رخصة البناء في حالة تشييد بنايات جديدة مهما كان إستعمالها - ماعدا المشاريع التي تحتمي بسريّة الدفاع الوطني فالمشرّع إستثناها- كذلك لترميم أو أي تعديل يدخل على البناء .
كما تضمّن القانون المتعلّق برخصة البناء 82-02 المؤرخ في 06 فيفري 1982 في مادته الخامسة ثقافة واسعة في مجال البناء و التعمير و الترخيص المتعلّق بالبناء و حماية البيئة ، حيث قضى هذا الأخير على إجبارية رخصة البناء في عملية البناء التي تتعلّق بالمنشآت الصناعية أو النقل المدني والجوي والبحري أو إنتاج المياه و معالجتها أو تصفية المياه المستعملة وصرفها أو معالجة الفضلات المنزلية وإعادة إستعمالها أو معالجة النفايات الصناعية وصرفها ، ولعّل السبب وراء إشتراط المشرّع الجزائري إجبارية الحصول على رخصة البناء لإقامة هذه المشاريع يرجع لإرتباط هذه الأخيرة بالصحة العمومية التي تعتبر عنصرا هاما في النظام العام الذي تسعى إجراءات الضبط الإداري لحمايته ، و عليه فإن النصوص المتعلقة برخصة البناء لها علاقة تكميلية مع قوانين حماية الصحة العمومية ، و في حالة مخالفة الشروط المتعلقة بحماية البيئة فإن السلطات الإدارية ملزمة برفض تسليم رخصة البناء .
وفي إطار الحصول على رخصة البناء و علاقتها بحماية البيئة نصّت المادة07 من القانون 90-29 على أنه يجب أن يستفسد كل بناء معدّ للسكن من مصدر للمياه الصالحة للشرب ، و أن يتوفر على جهاز لصرف المياه يحول دون تدفّقها على سطح الأرض كما تشترط المادة 08 على أن يكون تصميم المنشآت و البنايات ذات الإستعمال المهني و الصناعي بكيفية تمكّن من تفادي رمي النفايات الملوّثة و كل العناصر الضارة خارج الحدود المنصوص عليها في التنظيم .
وهناك بعض المجالات المتعلقة بمنح رخصة البناء نصّت عليها بعض القوانين الخاصة مثل القانون المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة حيث نستشف ذلك من خلال قراءتنا للمادة 45 منه على وجوب خضوع عمليات بناء و إستغلال و إستعمال البنايات و المؤسسات الصناعية و التجارية و الحرفية إلى مقتضيات حماية البيئة و تفادي إحداث التلوث الجوي و الحد منه .
أما فيما يخص الشروط القانونية لرخصة البناء فقد وردت في المرسوم التنفيذي 91-176 المتعلق بتحديد كيفيات تحضير شهادة التعمير و رخصة التجزئة و شهادة التقسيم و تتمثّل فيما يلي :
- طلب رخصة البناء موقعّة من المالك أو موكله أو المستأجر المرخّص له قانونا أو الهيئة أو المصلحة المخصّص لها العقار.
- مذكرة بالنسبة للمباني الصناعية ترفق بالرسوم البيانية الترشيدية والتي تتضمّن وسائل العمل وطريقة بناء الهياكل و الأسقف ونوع المواد السائلة و الصلبة و الغازية و كميّاتها المضرة بالصحة العمومية والزراعية و المحيط و الموجودة في المياه و القدرة المصروفة و إنبعاث الغازات و ترتيب المعالجة و التخزين و التصفية ، مستوى الضجيج المنبعث بالنسبة للبنايات ذات الإستعمال الصناعي والتجاري و مؤسسات إستقبال الجمهور .
- قرار من الوالي يتضمّن الترخيص بإنشاء أو توسيع مؤسسات صناعية أو تجارية مصنّفة ضمن المؤسسات الخطرة و غير الصحية و المزعجة .
- تصميم للموقع.
- إحضار وثيقة مدى التأثير على البيئة و هي عبارة عن دراسة تهدف إلى تحديد مدى ملاءمة إدخال المشروع في بيئته مع تحديد و تقييم الآثار المباشرة و غير المباشرة للمشروع على البيئة و التحقق من العمليات و التعليمات المتعلقة بحماية البيئة .
كما يمكن رفض رخصة البناء لاسيما إذا كانت تقديمها سيؤدي إلى المساس بالمحيط و البيئة و المنظر الجمالي و التنسيق العمراني و ذلك على النحو التالي :
- رفض كل رخصة للبناء إذا لم يكن الإبقاء على المساحات الخضراء مضمونا ، أو أدى إنجاز المشروع إلى تدمير الغطاء النباتي.
- إذا كانت البنايات من طبيعتها أن تمسّ بالسلامة و الأمن العمومي من جرّاء موقعها أو حجمها أو استعمالها فإنه يمكن رفض رخصة البناء أو منحها شريطة إحترام الأحكام الخاصة الواردة في القوانين و التنظيمات المعمول بها.
- إذا كانت البنايات نظرا لموقعها يمكن أن تتعرض لأضرار خطيرة يتسبب فبها الضجيج على الخصوص.
- إذا كانت البنايات بفعل أهميها وموقعها ومالها وحجمها من طبيعتها يمكن أن تكون لها عواقب ضارة على البيئة، يمكن رفض رخصة البناء أو منحها شريطة تطبيق التدابير التي أصبحت ضرورية لحماية البيئة .
ثانيا : رخصة إستغلال المنشآت المصنّفة
لم يظهر الاهتمام بمشكل المؤسسات الصناعية و التجارية التي تسبب مساوئ للجوار و أخطار على البيئة إلا منذ سنة 1976 من خلال المرسوم 76-34 المتعلق بالعمارات و المؤسسات الخطيرة غير الصحية و المزعجة التي تفتقر إلى عنصر النظافة أو غير اللائقة و هذا المرسوم هو أو تشريع تناول حماية البيئة من أخطار التلوّث الصناعي في الجزائر .
ليأتي قانون البيئة 83-03 و ينظم المؤسسات الخطرة و يطلق عليها المنشآت المصنّفة و هذا قبل أن يتّم إلغاؤه بموجب القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة .
لقد عرّف المشرّع الجزائري المنشآت المصنّفة في قانون03-10 بأنها تلك المصانع والورشات والمشاغل ومقالع الحجارة والمناجم وبصفة عامة المنشآت التي يستغلّها أو يملكها كل شخص طبيعي أو معنوي عمومي أو خاص والتي قد تتسبب في أخطار على الصحة العمومية والنظافة والأمن والفلاحة والأنظمة البيئية والموارد الطبيعية والمواقع والمعالم والمناطق السياحية أو قد تتسبب في المساس براحة الجوار .
فمن التعريف يمكن القول أن المنشآت المصنّفة هي تلك المنشآت التي تعتبر مصادر ثابتة للتلوّث وتشكل خطورة على البيئة.
وما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام هو أن المشرّع الجزائري قد قسّم المنشآت المصنّفة إلى فئتين: منشآت خاضعة لترخيص ومنشآت خاضعة لتصريح بحيث تمثّل المنشآت الخاضعة للترخيص الصنف الأكثر خطورة من تلك الخاضعة للتصريح ، في حين أن المنشآت الخاضعة للتصريح هي تلك المنشآت التي لا تسبب أي خطر أو مساوئ للمصالح المنصوص عليها في المادة 74 من القانون رقم 83-03 المتعلق بحماية البيئة .
وبالنظر إلى التنظيم الجديد الخاص بالمنشآت المصنّفة فقد رتّب المشرّع المنشآت الخاضعة للترخيص والتصريح حسب درجة الأخطار أو المساوئ التي تنجم عن إستغلالها إلى أربعة أصناف .
- مؤسسة مصنفّة من الفئة الأولى AM "Autorisation Ministérielle " : تتضمّن على الأقل منشأة خاضعة لرخصة وزارية " مثال مستودع للمبيدات الإجمالية تفوق 150طن.
- مؤسسة مصنّفة من الفئة الثانية AW "Autorisation de wali " تتضمّن على الأقل منشأة خاضعة لرخصة الوالي المختص إقليميا، مثال" مستودع للمبيدات قدرته أقل أو تساوي 150 طن".
- مؤسسة مصنّفة من الفئة الثالثةAPAPC "Autorisation du président de apc" : تتضمّن على الأقل منشأة خاضعة لرخصة رئيس المجلس الشعبي البلدي .
- مؤسسة مصنّفة من الفئة الرابعة D" Déclaration": تتضمّن على الأقل منشأة لنظام التصريح لدى رئيس المجلس الشعبي البلدي المختص إقليميا، مثال" مخبزة صناعية قدرة الإنتاج تفوق 0.5 طن لليوم وأقل أو تساوي 5 طن.
ومن هذا القبيل فقد تمّ ايضا إخضاع منشآت النفايات إلى هذا التقسيم ، إذ نصت المادة 42 من القانون 01-19 على أن تخضع كل منشأة لمعالجة النفايات قبل الشروع في عملها إلى:
- رخصة من الوزير المكلف بالبيئة بالنسبة للنفايات الخاصة.
- رخصة من الوالي المختص إقليميا بالنسبة للنفايات المنزلية و ما شابهها.
- رخصة من رئيس المجلس الشعبي البلدي المختص إقليميا بالنسبة للنفايات الهامدة .
كما جاء المرسوم التنفيذي 07-144 المؤرخ في 19 ماي 2007 ليوضح فكرة المنشآت المصنّفة ويشرح و يعرّف بعض المصطلحات المرتبطة بها كالمقصود بالمواد ، المستحضرات ، متى تكون سامية، شديدة السمومة ... ويبيّن متى تكون خاضعة لرخصة وزارية أو ولائية أو بلدية و متى تتطلّب مجرد تصريح لدى رئيس المجلس الشعبي البلدي و متى تتطلّب دراسة للتأثير أو دراسة للخطر .
وفيما يتعلق بإجراءات الحصول على الترخيص فهي تتمثّل :
- ضرورة تقديم طلب الترخيص لدى السلطة المانحة له، يشمل كافة المعلومات الخاصة بصاحب المنشأة سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا؛
- معلومات خاصة بالمنشأة و تتمثّل أساسا في الموقع الذي تقام فيه المنشأة، طبيعة الأعمال التي يعتزم المعني القيام بها و أساليب الصنع؛
- تقديم دراسة التأثير أو موجز التأثير الذي يقام من طرف مكاتب دراسات أو مكاتب خبرات أو مكاتب إستشارات معتمدة من طرف الوزارة الكلفة بالبيئة وهذا على نفقة صاحب المشروع؛
- إجراء تحقيق عمومي و دراسة تتعلق بأخطار وإنعكاسات المشروع ، إلا أن المشرّع لم يحدد كيفية إجراء هذا التحقيق ، كما أنه لم يحدد الجهة المكلفة بالقيام به .
وقد قسمّت هذه الإجراءات إلى مرحلتين :
فخلال المرحلة الأولى يتّم إيداع الطلب مرفقا بالوثائق المذكورة سابقا ليتمّ دراسة الطلب من طرف لجنة مراقبة المؤسسات المصنّفة و التي بناء على دراستها تمنح الموافقة المسبقة لإنشاء المؤسسة المصنّفة على أساس دراسة الطلب في أجل لا يتعدّى 03 أشهر إبتداء من تاريخ إيداع ملف الطلب، حيث لا يستطيع صاحب المشروع أن يشرع في أشغال بناء المؤسسة المصنّفة إلا بعد أن يتحصّل على مقرر الموافقة المسبقة من اللجنة الذكورة سابقا.
أمّا خلال المرحلة الثانية فتتولّى اللجنة المذكورة آنفا زيارة الموقع بعد إتمام إنجاز المؤسسة بغرض التحقق من مطابقتها للوثائق المدرجة في ملف الطلب حتّى تتولى في مرحلة لاحقة إعداد مشروع قرار حول رخصة إستغلال المؤسسة المصنّفة و ترسله إلى السلطات المؤهلة للتوقيع و التي تتوّلى مهمة تسليم الترخيص للمعني في أجل 03 أشهر إبتداء من تاريخ تقديم الطلب عند نهاية الأشغال.
ويتّم تسليم رخصة الإستغلال حسب الحالة إمّا بموجب قرار وزاري مشترك بين الوزير المكلف بالبيئة والوزير المعني بالنسبة للمؤسسات المصنّفة من الفئة الأولى، وإمّا بموجب قرار من الوالي المختص إقليميا بالنسبة للمؤسسات المصنفّة من الفئة الثانية ، وإمّا بموجب قرار من رئيس المجلس الشعبي البلدي المختص إقليميا بالنسبة للمؤسسات المصنّفة من الفئة الثالثة .
أما بخصوص الحالة التي تكون فيها المنشأة ضمن المنشآت المنصوص عليها في الصنف الثالث، ففي هذه الحالة يقرر الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي بمقتضى قرار الشروع في تحقيق علني بمجرد تسلّم الملف المتعلق بالمنشأة المصنّفة مبيّنا فيه موضوع التحقيق وتاريخه وكذلك الأوقات و المكان الذي يمكن لجمهور الإطلاع فيه على الملف و فتح سجل تجمع فيه آراء الجمهور على مستوى مقرات المجالس الشعبية التي تقام فيها المنشأة والموقع الذي ستقام فيه وتقع مسؤولية الالتزام بنشر هذا الإعلان على عاتق الولاّة المختصّين إقليميا ، غير أن رؤساء المجالس الشعبية البلدية الذين يمسّ المحيط المذكور جزء من إقليمها ملزمون بتعليق الإعلان للجمهور على نفقة صاحب الطلب، ويتّم هذا التعليق في مقرّ البلدية المعنية قبل 08 أيام على الأقل من الشروع في التحقيق العلني .
ويتطلّب الأمر تقديم نسخة من طلب الرخصة للمصالح المحلية المكلفّة بالبيئة والري والفلاحة والصحة والشؤون الإجتماعية و الحماية المدنية و مفتشية العمل والتعمير و البناء والصناعة والسياحة من أجل إبداء رأيها في آجال 60 يوما وإلاّ فصل في الأمر من دونها .
وبعد ذلك يتّم استدعاء صاحب الطلب خلال 08 أيام للقيام بتقديم مذّكرة إجابة خلال مدّة حددّها المشرع بـ 22 يوما ثمّ يتّم إرسال ملف التحقيق إلى الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي، ويمكن لأي شخص طبيعي أو معنوي أن يّطلع في الولاية أو البلدية على مذكرة صاحب الطلب وعلى استنتاجات المندوب المحقق.
أما بالنسبة للمجالس الشعبية البلدية التي يعتزم أن تقام فيها المنشأة فعليها أن تبدي برأيها في طلب الرخصة بمجرّد افتتاح التحقيق، إلا أنه لا يمكن أن تأخذ بعين الاعتبار إلا الآراء المعللّة التي يجب التعبير عنها في مهلة تقدر ب 15 يوما الموالية لإغلاق سجّل التحقيق، و قد فرّق المشّرع بين المنشآت من الصنف الثالث والمنشآت من الصنف الأول، فإذا كان قد أخضع المنشآت من الصنف الثالث إلى هذه الإجراءات فإنه بالنسبة للمنشآت من الصنف الأول جعلها تتّم تحت مسؤولية الوالي المختص إقليميا .
ويجب على الإدارة المختصّة أن تبرر موقفها في حالة رفض تسليم الرخصة، ويمكن للمعني في هذه الحالة أن يتقدم بطعن إلا أن المرسوم 98-339 لم يحدد الجهة التي يتّم أمامها الطعن.
ويجب أن ننوّه هنا أنه إذا تعلّق الأمر بمنشأة غير مدرجة في قائمة المنشآت المصنّفة وكان استغلالها يشكّل خطرا و ضررا على البيئة و تمّس بالمصالح المذكورة في المادة 18 من القانون 03-10 * فالوالي وبناء على تقرير من مصالح البيئة يقوم بإعذار المستغّل محددا له أجلا لاتخاذ التدابير الضرورية لإزالة الأخطار أو الأضرار المثبتة ، وإذا لم يمتثل المستغّل في الأجل المحدد يوقف سير المنشأة إلى حين تنفيذ الشروط المفروضة .
ثالثا: رخصة الصيد
حفاظا على التنوع البيولوجي وحماية الثروة الحيوانية منعا لاختلال التوازن البيئي، قام المشرع الجزائري بتنظيم ممارسة الصيد بجعل لها رخصة، فلقد حدّد القانون 04-07 المتعلق بالصيد المبادئ العامة المتعلقة بممارسة الصيد وهي تحديد شروط الصيد والصيادين والمحافظة على الثروة الصيدية والعمل على ترقيتها وتنميتها، منع كل صيد أو أي نشاط له علاقة به خارج المناطق والفترات المنصوص عليها في هذا القانون ، كما حدّدت المادة 06 شروط ممارسة الصيد حيث اشترط حيازة الصياد لرخصة الصيد و كذلك لاجازة الصيد، واشترط أن يكون منخرطا في جمعية للصيادين، وحائزا لوثيقة تأمين سارية المفعول تغطي مسؤوليته المدنية باعتباره صيادا ومسؤوليته الجزائية عن إستعماله للأسلحة النارية أو وسائل الصيد الأخرى، وحسب المادة 07 فقد اعتبر المشرع أن رخصة الصيد هي التي تعبّر عن أهلية الصياد في ممارسة الصيد وهي شخصية لا يجوز التنازل عنها أو تحويلها أو إعارتها أو تأجيرها، لذلك تسلم رخصة الصيد وتثبت صلاحيتها من قبل الوالي أو من ينوب عنه أو رئيس الدائرة حيث يوجد مقر إقامة صاحب الطلب، على أن تكون صالحة عبر كامل التراب الوطني ولمدة 10 سنوات و تجدد بنفس الشروط ، فالمشرع الجزائري أعطى صلاحية منح هذه الرخصة إلى الوالي كي يضبط ممارسة الصيد وفق للقوانين والتنظيمات حتى لا تكون عشوائية ما تهدد البيئة والتنوع البيولوجي باختلال التوازن الطبيعي و بالتالي إنقراض أو نفوق بعض الحيوانات.
الفرع الثاني: الحظر و الإلزام و نظام التقارير
كون موضوع حماية البيئة يتعلق في الغالب بحماية الصحة، فإن قواعده القانونية تأتي في شكل قواعد آمرة ، تأخذ شكلين إمّا شكل أسلوب الحظر أو الإلزام ويتبنّى المشرّع بموجبهما أسلوب الإلزام حينما يأمر الأفراد بإتيان سلوك معيّن توجبه القاعدة القانونية، وإمّا أسلوب الحظر عندما يأمر المشرّع الأفراد بالإبتعاد عن سلوك تحظره القاعدة القانونية، فإلى جانب نظام الترخيص الذي يعتبر أهم وسيلة تستعمله الجماعات المحلية في مجال حماية البيئة نجد هناك إجراءات تأتي في شكل أوامر وهذه الأخيرة تتّخذ صورتين إما الأمر بالإلزام أو الأمر بالحظر ومنها ما يأتي في شكل إلزام بتصريحات أو تقارير وكلها تهدف إلى غاية واحدة وهي حماية البيئة .
أولا: نظام الحظر
ويقصد به تلكم الوسيلة التي تلجأ إليها سلطات الضبط الإداري من أجل منع وإتيان بعض التصرفات بالنظر للخطورة التي تنجم عن ممارستها .
ولكي يكون أسلوب الحظر قانونيا لابدّ أن يكون نهائيا و مطلقا وألاّ تتعسف جهة الإدارة فيه إلى درجة المساس بحقوق الأفراد و حريّاتهم الأساسية، وألاّ يتحوّل إلى عمل غير مشروع فيصبح مجرد إعتداء مادي أو عمل من أعمال الغصب كما يسمّيه رجال القانون الإداري .
فكثيرا ما يلجأ القانون في حمايته للبيئة إلى حظر الإتيان ببعض التصرفات التي يقدّر خطورتها و ضررها على البيئة وقد يكون هذا الحظر مطلقا أو نسبيا :
1: الحظر المطلق
ويعتبر هذا الأخير من أنواع الحظر الغالبة والشائعة في مجال قوانين حماية البيئة ، حيث ينظّم المشرّع بعض القوانين التي من خلالها يمنع إتيان بعض التصرفات التي لها خطورة كبيرة من شأنها أن تسبب أضرارا جسيمة بالبيئة و بالمحيط الطبيعي، وبالتالي هذا المنع يكون منعا باتا لا ترد عليه إستثناءات ولا يخضع للإجراءات التي يخضع لها الترخيص الإداري ، فالحظر المطلق هو نصيب محجوز للمشرّع وما على الإدارة في هذه الحالة إلاّ تنفيذ القواعد القانونية دون توسيع لسلطاتها " مثل إلقاء القمامة في غير الأماكن التي تحددّها الجماعات المحلية وهو ما تقضي به قوانين و لوائح البلدية.
كما تضمّن قانون البيئة 03-10 منع كل صب أو طرح للمياه المستعملة أو رمي النفايات أيا كانت طبيعتها في المياه المخصصة لإعادة تزويد طبقات المياه الجوفية و في الآبار والحفر و سراديب جذب المياه ، وهو ما يدخل في السلطات الضبطية لرئيس المجلس الشعبي البلدي و الوالي للمحافظة على الصحة العمومية .
كذلك شددّ قانون المياه على ضرورة وقاية الأوساط المائية من التلّوث باستعمال أسلوب الحظر والمنع لمايلي:
- تفريغ المياه القذرة مهما تكون طبيعتها أو صبّها في الآبار والحفر أو أروقة إلتقاء المياه والينابيع وأماكن الشرب العمومية؛
- إدخال كل المواد غير الصحية في المنشآت المائية المخصصة للتزويد بالمياه ؛
ومنه ومن خلال النصوص السابقة ، المشرّع الجزائري إستعان بالحظر المطلق كلمّا توقّع وجود خطر يهدد التوازن البيئي.
2: الحظر النسبي
أو المؤقت والجزئي فإنه يكون مشروعا لأنه يكون مجددا من حيث الزمان والمكان و الغرض ويتجسّد هذا الحظر النسبي في منع القيام بأعمال معينّة – يمكن أن تلحق أثارا ضارة بالبيئة في أي عنصر من عناصرها - إلا ّ بعد الحصول على ترخيص بذلك من السلطات المختصّة ووفقا للشروط والضوابط التي تحدّدها القوانين و اللوائح لحمية البيئة .
وعليه فإننا نلاحظ بأن هناك علاقة وثيقة بين كل من الحظر النسبي و الترخيص الإداري ، وتكمن العلاقة في كونهما أسلوبين قانونيين متكاملين ذلك أن المشرّع في الحظر النسبي لا يجعل التصرف مبدئيا محظورا ، على إعتبار أن هذا الحظر يزول إذا إستوفى طلب المعني شروط الترخيص الإداري .
ومن أمثلة هذه الأعمال الواردة ضمن الحظر النسبي نجد المادتان 70 و 71 من القانون 03-10 حيث يخضع عرض المواد الكيماوية في السوق إلى شروط و ضوابط و كيفيات محددة ، فبالنظر إلى الأخطار التي قد تشكّلها المواد الكيماوية يمكن للسلطة المختصة أن تعلّق وضع هذه المواد في السوق على شرط تقديم المنتج أو المستورد للعناصر الآتية:
- مكونات المستحضرات المعروضة في السوق؛
- عينّات من المادة أو المستحضرات التي تدخل في المادة ؛
- المعطيات المرقّمة الدقيقة حول الكميات من المواد الخالصة أو الممزوجة التي تمّ عرضها في السوق أو نشرها أو توزيعها حسب مختلف الاستعمالات؛
- كل المعلومة الإضافية حول تأثيرها على الإنسان و البيئة.
فالحظر هنا معلق على تقديم المعطيات السابقة .
كذلك المادة 55 من القانون نفسه 03-10 حول شروط عملية شحن المواد و النفايات الموجّهة للغمر في البحر و التي تحتاج إلى رخصة.
و المادة 50 التي توجب أن تكون مفرزات منشآت التفريغ عند تشغيلها مطابقة للشروط المحددة عن طريق التنظيم ، كما يحدد التنظيم شروط تنظيم أو منع التدفقات و السيلان و الطرح و الترسيب المباشر أو غير المباشر للمياه و المواد ،و بصفة عامة كل فعل من شأنه المساس بنوعية المياه السطحية أو الباطنية أو الساحلية
ثانيا: نظام الإلزام
من الوسائل القانونية التي تستخدمها الجماعات المحلية في حماية البيئة هو إلزام الأشخاص بالقيام بأعمال معينّة.
والإلزام هو عكس الحظر لأن هذا الأخير هو إجراء قانوني إداري يتّم من خلاله منع إتيان النشاط ، فهو إجراء سلبي في حين أن الإلزام هو ضرورة إتيان التصرّف ، فهو إجابي .
وفي مجال حماية البيئة نعني بالإجراء الضبطي إلزام الأفراد و الجهات و المنشآت بالقيام بعمل إيجابي معيّن لمنع تلويث عناصر البيئة المختلفة أو لحمايتها أو الزام من تسبب بخطئه في تلويث البيئة بإزالة آثار التلوّث ، ومن أمثلة القيام بعمل إيجابي في مجال حماية البيئة نجد أن المشرّع الجزائري ألزم الأفراد عندما يكون الإنبعاث الملوّث للجو يشكّل تهديدا للأشخاص و البيئة أو الأملاك بإتخاذ التدابير الضرورية لإزالتها و تقليصها ، كما ألزم أصحاب الوحدات الصناعية بإتخاذ كل التدابير اللازمة للتقليص أو الكف عن إستغلال المواد المتسببّة في إفقار طبقة الأوزون .
كما جاء القانون 01-19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها بالعديد من صور الإلزام بغرض حماية البيئة و المحيط.
- إلزام المشرّع كل منتج للنفايات أو حائز لها إتخّاذ كل الإجراءات الضرورية لتفادي إنتاج النفايات بأقصى قدر ممكن لاسيما من خلال:
• إعتماد إستعمال تقنيات أكثر نظافة و أقل انتاجا للنفايات؛
• الامتناع عن المواد المنتجة للنفايات غير القابلة للانحلال البيولوجي؛
• الامتناع عن استعمال المواد التي من شأنها تشكيل حطر على الإنسان لاسيما عند صناعة منتجات التغليف .
كذلك المادة 35 من القانون نفسه أوجبت كل حائزا على نفايات منزلية وما شابهها استعمال نظام الفرز و الجمع و النقل الموضوع تحت تصرفه من قبل الهيئات المبيّنة في المادة 32 من هذا القانون " الهيئات هي البلدية" ، لأن البلدية يقع على عاتقها مسؤولية النفايات المنزلية و النفايات الصلبة الحضرية من خلال وضع مخطط بلدي لتسير النفايات البلدية .
ثالثا: نظام التقارير
إستحدث المشرّع الجزائري بموجب النصوص الجديدة المتعلقة بحماية البيئة أسلوب جديد و الذي يسعى من خلاله إلى فرض رقابة لاحقة ومستمرّة على الأنشطة التي يمكن أن تشكل خطر على البيئة، فهو أسلوب مكمّل لأسلوب الترخيص، كما يقترب من الإلزام كونه يفرض على صاحبه القيام بتقديم تقارير دورية عن نشاطاته حتّى تتمكنّ السلطة الضابطة من فرض الرقابة وتسهيل عملية متابعة التطورات الحاصلة على النشاطات و المنشآت التي تشكّل خطرا على البيئة، فبدلا من أن تقوم الإدارة بإرسال أعوانها للتحقيق من السير العادي للنشاط المرخّص به يتولّى صاحب النشاط بتزويدها بالمعلومات والتطورات الحاصلة والجديدة ويرتّب القانون على عدم القيام بهذا الإلزام جزاءات مختلفة .
وأسلوب التقارير أسلوب جديد بحاجة إلى نصوص تنظيمية.
ومن أمثلة أسلوب التقارير في القوانين المتعلقة بالبيئة نجد قانون المناجم الذي ألزم أصحاب السندات المنجمية أو الرخص أن يقدموا تقريرا سنويا متعلقا بنشاطاتهم إلى الوكالة الوطنية للجيولوجيا و المراقبة المنجمية يتعّلق أساسا بنشاطاتهم و كذا الإنعكاسات على حيازة الأراضي و خصوصيات الوسط البيئي ، ورتّب القانون عقوبات جزائية على كل مستغّل أغفل تبليغ التقرير و ذلك بالحبس من شهرين إلى 06 أشهر و بغرامة مالية 500 د ج إلى 20000 د ج ، وبما أن المادة 58 من هذا القانون تنص على إمكانية الوالي المختص إقليميا أن ينشئ بقرار ، بعد إخطاره من قبل المصلحة الجيولوجية الوطنية ، محيطات للحماية حول المواقع الجيولوجية ، والمادة 60 التي يمنع بموجبها الوالي المختص إقليميا بناء اعلى إقتراح من الوكالة الوطنية للجيولوجيا والمراقبة المنجمية كل أعمال تخص بئرا أو رواقا أو أشغال الاستغلال على سطح الأرض أو باطنها تخالف هذا القانون و النصوص المتّخذة لتطبيقه ، و المادة 73 التي تنص على تسليم السندات المنجمية بناء على رأي مبرر من الوالي المختص إقليميا ، فكل هذه المواد توحي لنا بأن الوالي المختص إقليميا معني بالتقارير المرسلة من طرف صاحب السند المنجمي لما له من أهمية بالغة في المراقبة المستمرة للأنشطة و المنشآت التي تشكّل خطرا على البيئة على مستوى ولايته ، كما أن هذا الأسلوب " أسلوب التقارير" يساهم في دعم باقي أساليب الرقابة الإدارية.
الفرع الثالث: نظام دراسة مدى التأثير
قد تبنىّ المشرع الجزائري هذا الإجراء بموجب قانون حماية البيئة لسنة 1983 بحيث إعتبر دراسة مدى التأثير وسيلة أساسية للنهوض بحماية البيئة و أنها تهدف إلى معرفة و تقدير الإنعكاسات المباشرة و/أو غير المباشرة للمشاريع على التوازن البيئوي و كذا على إطار و نوعية معيشة السكان .
ولقد عرّفته المادة 02 من المرسوم التنفيذي 90-78 المتعلق بدراسات التأثير في البيئة بأنه إجراء قبلي تخضع إليه جميع أشغال و أعمال التهيئة أو المنشآت الكبرى التي يمكن بسبب أهميتها و أبعادها و آثارها أن تلحق ضررا مباشرا أو غير مباشرا بالبيئة ولاسيما الصحة العمومية والفلاحة و المساحات الطبيعية والحيوان والنبات والمحافظة على الأماكن و الآثار و حسن الجوار .
كما أن قانون حماية البيئة والتنمية المستدامة 03-10 قد نصّ على دراسة التأثير تحت عنوان نظام تقييم الآثار البيئية لمشاريع التنمية بدون أن يعرّفه تعريفا مباشرا بل إكتفى بذكر المشاريع التي تخضع لدراسة التأثير وهي مشاريع التنمية و الهياكل و المنشآت الثابتة و المصانع و الأعمال الفنية الأخرى وكل الأعمال وبرامج البناء التي تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة على البيئة لاسيما على الأنواع والموارد و الأوساط والفضاءات الطبيعية و التوازن الإيكولوجي و كذلك على إطار ونوعية المعيشة وكذلك تناولها قانون المناجم بأن دراسة التأثير على البيئة هو تحليل آثار استغلال كل موقع منجمي على مكونات البيئة بما فيها الموارد المائية ، جودة الهواء و الجو ، سطح الأرض وباطنها، الطبيعة ، النبات، الحيوان و كذا التجمعات البشرية القريبة من الموقع المنجمي بسبب الضوضاء و الغبار والروائح والإهتزازات و تأثيرها على الصحة العمومية للسكان المجاورين .
أما بخصوص النصوص التنظيمية فإننا نجد في هذا الصدد المرسوم التنفيذي07-145 المحدد لمجال ومحتوى المصادقة على دراسة و موجز التأثير على البيئة ، الذي جاء خاليا من أي تعريف لهذه الأداة وإكتفى في المادة 02 منه بتبيان الهدف منها .
ومنه ومن خلال التعريفات السابقة يمكن تعريف دراسة التأثير بأنها دراسة تقييمية مسبقة تهدف إلى الكشف عن ما قد تسببه المشاريع الخطرة من آثار على البيئة بهدف التقليل أو الحد منها ، كما نلاحظ أن المشرّع الجزائري إستحدث دراسة جديدة من خلال قانون 03-10 هي موجز التأثير .
أولا: المشاريع التي تخضع لدراسة التأثير
لقد حدد المشرّع الجزائري في المادة 15 من القانون 03-10 المشاريع التي تتطلب دراسة التأثير وهي" مشاريع التنمية و الهياكل و المنشآت الثابتة و المصانع و الأعمال الفنية الأخرى و كل الأعمال وبرامج البناء و التهيئة".
وما يمكن استنتاجه من خلال النص أن المشرع الجزائري ربط المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير بمعيارين:
- المعيار الأول: معيار الأبعاد و التأثيرات على البيئة من خلال العمليات التي يمكن أن تؤثر على البيئة الطبيعية أو أحد مكوّناتها أو البيئة البشرية .
- المعيار الثاني: أنه جعل دراسة التأثير تتعلّق بحجم و أهمية الأشغال و المنشآت الكبرى كبرامج البناء والتهيئة.
لكن الذي يؤخذ على المشرّع الجزائري أنه ترك المجال مفتوح و على عموميته و لم يحدد المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير فهو لم يعط الوصف الدقيق لذلك و هذا من خلال استقرائنا للمادة 15 من القانون 03-10 ، إلاّ أنه و في المقابل و بالعودة إلى المرسومين 07-145 المتعلّق بتحديد مجال تطبيق و محتوى و كيفيات المصادقة على دراسة و موجز التأثير على البيئة و 07-144 الذي أرفق بملحق حددّ المشرّع من خلاله قائمة المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير و هي محددّة على سبيل الحصر .
إضافة إلى قانون حماية البيئة هناك قوانين أخرى أخضعت بعض المشاريع لدراسة التأثير لاسيما القانون 01-20 المؤرخ في 12 ديسمبر 2001 المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة ،و القانون 01-19 المؤرخ في 12 ديسمبر 2001 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها و إزالتها حيث تخضع شروط إختيار مواقع إقامة منشآت معالجة النفايات و تهيئتها و إنجازها و تعديل عملها و توسعتها إلى التنظيم المتعلق بدراسة التأثير .
ثانيا: محتوى دراسة و موجز التأثير في البيئة
على المستوى الفقهي فإن موجز التأثير تعتبر دراسة مصغّرة و بالتالي فإن محتواها يختلف مبدئيا عن محتوى دراسة مدى التأثير على البيئة و هذا ما يبدو واضحا من نص المادة 16 من قانون 03-10 إلاّ أن المرسوم التنفيذي 07-145 وحدّ بين الدراستين من حيث محتواها ، فوفقا للمادة 16 من القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة يتضّمن محتوى دراسة التأثير مايلي:
- عرض عن النشاط المراد القيام به؛
- وصف للحالة الألية للموقع و بيئته اللذان قد يتأثران بالنشاط المراد القيام به؛
- وصف التأثير المحتمل على البيئة و على صحة الإنسان بفعل النشاط المراد القيام به والحلول البسيطة المقترحة.
- عرض عن تدابير التحقيق التي تسمح بالحد أو بإزالة ، و إذا أمكن تعويض الآثار المضرة بالبيئة والصحة .
كما حدد المشرع الشوط التي يتّم بموجبها نشر دراسة التأثير ، محتوى موجز التأثير و قائمة الأشغال التي بسبب أهمية تأثيرها على البيئة تخضع لإجراءات دراسة التأثير وقائمة الأشغال التي بسبب ضعف تأثيرها على البيئة تخضع لإجراءات موجز التأثير.
فنرى من هذه المادة أن موجز التأثير هو إجراء استحدثه قانون 03-10 و بالتالي فإن الإختلاف بين دراسة التأثير على البيئة و موجز التأثير بالغ الأهمية .
فالأولى مخصصة للمشاريع و أعمال التهيئة التي لها تأثير بالغ على البيئة أمّا الثانية فهي مخصصّة للمشاريع الأقّل أهمية و ذات تأثير ضعيف على البيئة ، فالمؤسسات المصنّفة مثلا نجد التي تخضع لدراسة التأثير تتطّلب رخصة من الوزير أو الوالي أمّا التي تخضع لموجز التأثير تتطلب رخصة من رئيس المجلس الشعبي البلدي حسب الملحق الذي ورد في المرسوم 04-144.
إن المرسوم التنفيذي 07-145 تعرّض إلى 04 مسائل:
- ميدان تطبيق و محتوى دراسات التأثير و موجز التأثير
- إجراءات فحص دراسات التأثير و موجز التأثير
- التحقيق العمومي
- كيفيات المصادقة على دراسات التأثير و موجز التأثير
ففيما يخص إجراءات فحص دراسات التأثير و موجز التأثير فوردت في المواد 7،8 ،9 من المرسوم 07-145 .
حيث تودع هذه الإجراءات في 10 نسخ لدى الوالي المختص إقليميا الذي يطلب بدوره من المصالح المكلفة بالبيئة إقليميا " مديرية البيئة" لفحص محتوى دراسات مدى التأثير و موجز التأثير وهذه هي رقابة حقيقية تمارسها الإدارة البيئية على الجوانب التقنية و القانونية لدراسة مدى التأثير و موجز التأثير ، هي رقابة مطابقة للقواعد التقنية و الشرعية .
إن الفحص الذي تمارسه الإدارة البيئية هو فحص تمهيدي و ليس نهائي و يمكن أن يؤدي إلى قبول دراسة مدى التأثير أو موجز التأثير من قبل المصالح المكلّفة بالبيئة ، في هذه الحالة يقرر الوالي فتح تحقيق عمومي و دعوة الغير " شخص طبيعي أو معنوي" لإعطاء أرائهم حول المشروع المزمع إنجازه وانعكاساته على البيئة .
كما أن قانون البيئة لسنة 2003 يخضع إلى التحقيق العمومي دراسة التأثير فقط في حين المرسوم التنفيذي 07-145 يخضع إلى التحقيق العمومي كلا من دراسة التأثير و موجز التأثير.
المطلب الثالث: الإجراءات الإدارية البعدية لحماية البيئة
إلى جانب الأدوات الرقابية القبلية السالفة الذكر فقد زوّد المشرّع الجزائري سلطات الضبط الإداري بأدوات ووسائل تدّخل قانونية ردعية لاحقة عن طريق استعمال امتيازات السلطة العامة تمارسها على الأفراد والمؤسسات لمراقبة مدى احترامها للإجراءات المتّبعة من أجل التوّصل لضمان حماية فعّالة للبيئة بمختلف عناصرها ومكوّناتها، غير أن المشرّع قيّدها بإتباع جسامة المخالفة المرتكبة" المخالفة البيئية" و نوع التدّخل وعادة ما تأخذ تلك الأدوات شكل الإخطار " الإعذار"، الوقف الجزئي للنشاط أو الوقف الكلي عن طريق سحب الرخصة .
إضافة إلى كل هذه الوسائل فثمّة وسيلة أخرى منحها المشرّع الجزائري للإدارة وهي عبارة عن أسلوب جديد من الجزاء أدخله بمقتضى قانون المالية لسنة 1992 و هو ما يعرف بالرسم على التلويث " مبدأ الملوّث الدافعّ " أو " الرسم البيئي" وقد تمّ الإشارة له سابقا.
الفرع الأول: الإخطار
اختلفت تسمياته من إنذار إلى إعذار إلى إخطار ، إلاّ أنه يعتبر من بين الإجراءات التي تمتلكها جهة الإدارة من أجل تنبيه و تذكير المخالف و إلزامه معالجة الوضع و اتخاذه التدابير الكفيلة بجعل نشاطه مطابقا للمقاييس القانونية البيئية المعمول بها .
والإخطار في حقيقة الأمر لا يعتبر جزاء و إنمّا يعتبر مجرد تنبيه من الإدارة للمعني لتدارك الوضع و تصحيحه ليكون نشاطه منسجما مع ما يتطلبه القانون، هذا إلى جانب توفيره للحماية الأولية من الآثار السلبية للنشاط قبل تفاقم الوضع وإتّخاذ إجراءات ردعية أكثر صرامة في حق المتسبب في ذلك .
و قد تضمّنت المادة 25 من القانون 03-10 المتعلق بالبيئة مثالا على هذا الإجراء بنصّها على أنه" عندما تنجم عن استغلال منشأة غير واردة في قائمة المنشآت المصنّفة أخطارا أو أضرارا تمس بالمصالح المذكورة في المادة 18 ، وبناء على تقرير من مصالح البيئة يعذر الوالي المستغّل و يحدد له أجلا لإتخاذ التدابير الضرورية لإزالة الأخطار أو الأضرار المثبتة..." .
والهدف من الإخطار أو الإعذار هو حماية قانونية أولية قبل اتخاذ الإجراءات الردعية الأخرى ، فهو مقدمة من مقدّمات الجزاء القانوني .
كما نصّت المادة 56 من القانون نفسه السابق على أنه " في حالة وقوع عطب أو حادث في المياه الخاضعة للقضاء الجزائري لكل سفينة أو طائرة أو آلية أو قاعدة عائمة تنقل أو تحمل مواد ضارة أو خطيرة أو محروقات من شأنها أن تشّكل خطرا لا يمكن دفعه ومن طبيعته إلحاق ضرر بالساحل أو المنافع المرتبطة به ، يعذر صاحب السفينة أو الطائرة أو الآلية أو القاعدة العائمة باتخّاذ كل التدابير اللازمة لوضع حد لهذا الإخطار..." .
كما نصّ القانون المتعلّق بتسيير النفايات و مراقبتها رقم 01-19 في المادة 48 على أنه" عندما يشكّل استغلال منشأة لمعالجة النفايات أخطارا أو عواقب سلبية ذات خطورة على الصحة العمومية و/أو على البيئة تأمر السلطة الإدارية المختصّة المستغّل باتخاذ الإجراءات الضرورية فورا لإصلاح هذه الأوضاع....." ، و السلطة الإدارية المختصة تتمثّل في الوالي بالنسبة لمنشآت معالجة النفايات المنزلية و ما شابهها ، و رئيس المجلس الشعبي البلدي بالنسبة لمنشآت معالجة النفايات الهامدة .
أما المرسوم الخاص بحماية مياه الحمّامات المعدنية رقم 94-91 الصادر سنة 1994 فنصّ على أنه إذا رأى مفتش البيئة أو المفتش التابع للصحة العمومية أن شروط استغلال المياه المعدنية غير مطابق لعقد الامتياز فإن الوالي المختصّ إقليميا يرسل إعذارا للمستغّل بغرض اتخاذه التدابير اللازمة لجعلها مطابقة وإن لم يقم بذلك خلال المهلة المحددّة له سلفا في الإعذار ، فإن الوالي يقرر وقف عمل المؤسسة مؤقتا إلى غاية تنفيذ الشروط .
الفرع الثاني: سحب الترخيص
عملا بقاعدة توازي الأشكال فإن الإدارة تقوم بتجريد المستغّل- الذي لم يجعل من نشاطه مطابقا للمقاييس البيئية - من الرخصة و ذلك عن طريق سحبها بقرار إداري و بما أن نظام الترخيص يعدّ من أهمّ وسائل الرقابة الإدارية لما يحققه من حماية مسبقة على وقوع الإعتداء و أنه أكثر تحكما و نجاعة لحماية البيئة لإرتباطه بالمشاريع ذات الأهمية و الخطورة على البيئة ، لاسيما المشاريع الصناعية وأشغال البناء و كذلك المركبات و المنقولات الأخرى ، فإن سحبه يعتبر من أخطر الجزاءات الإدارية التي خوّلها المشرّع للإدارة .
وعادة ما تترّكز أسباب سحب التراخيص أو إلغاؤها على الأمور التالية :
- إذا كان إستمرار المشروع يؤدي إلى خطر داهم على النظام العام أو الصحة العمومية أو السكينة العامة.
- إذا لم يستوف المشروع الشروط القانونية التي ألزم المشرع ضرورة توافرها
- إذا توقف العمل بالمشروع لأكثر من مدّة معينّة يحدّدها القانون.
- اذا صدر حكم قضائي يقضي بغلق المشروع أو إزالته
و لهذه الآلية عدة تطبيقات في التشريع الجزائري فقد نصّت المادة 153 من قانون المناجم 01-10 على مايلي" يجب على صاحب السند المنجمي و تحت طائلة التعليق المتبوع بسحب محتمل لسنده........أن يقوم بما يأتي:
- الشروع في الأشغال في مدّة لا تتجاوز سنة واحدة بعد منح السند المنجمي ومتابعتها بصفة منتظمة
- إنجاز البرنامج المقرر لأشغال التنقيب و الاستكشاف و الاستغلال حسب القواعد الفنية...."
وبما أن رخصة إستغلال مقالع الحجارة و المرامل تمنح من طرف الوكالة الوطنية للممتلكات المنجمية بعد استشارة الوالي المختص إقليميا فإننا نستقرأ أن سحب الرخصة يكون أيضا باستشارة الوالي المختص إقليميا في حالة مخالفة المستغّل لشروط الإستغلال.
كما نصّت المادة 11 من المرسوم التنفيذي 93-160 المتعلق بتنظيم النفايات الصناعية السائلة على أنه اذا لم يمتثل مالك التجهيزات في نهاية الأجل المحدد له ، يقرّر الوالي الإيقاف المؤقت لسير التجهيزات المتسببة في التلوث حتى غاية تنفيذ الشروط المفروضة ، و في هذه الحالة يعلن الوزير المكلف بالبيئة عن سحب رخصة التصريف بناء على قرار الوالي ، وذلك دون المساس بالمتابعة القضائية المنصوص عليها في التشريع المعمول به .
كما نصّ المشرّع في قانون المياه 05-12 على أنه " في حالة عدم مراعاة صاحب رخصة أو إمتياز استعمال الموارد المائية للشروط والالتزامات المنصوص عليها قانونا تلغى هذه الرخصة أو الامتياز"
الفرع الثالث: الوقف المؤقت للنشاط
عادة ما ينصبّ الوقف المؤقت للنشاط على المؤسسات ذات الصبغة الصناعية ممّا لها من تأثير سلبي على البيئة ، خاصة تلك المنبعثة منها الجزئيات الكيمياوية المتناثرة جوا أو التي عادة ما تكرر زيوتا شحمية تؤثر بالدرجة الأولى على المحيط البيئي مؤدية إلى تلويثه أو المساس بالصحة العمومية .
وبالتالي فهو يعتبر من التدابير التي تلجأ اليها الإدارة حماية للبيئة بسبب مزاولة المشروعات الصناعية لنشاطاتها المؤثرة على البيئة ونتيجة لعدم إمتثال صاحب النشاط باتخاذ جميع التدابير الوقائية اللازمة وذلك من بعد إنذاره من طرف الإدارة المختصة.
والمشرّع الجزائري في غالب الأحيان يستعمل مصطلح " الإيقاف" في حين أن المشرّع المصري يستعمل مصطلح "الغلق" و قد ثار جدال فقهي بشأن الطبيعة القانونية للغلق كعقوبة ، فهناك من يرى أن الغلق ليس بعقوبة و إنمّا هو مجرد تدبير من التدابير الإدارية ، إلاّ أن هذا الرأي تعرض للنقد على أساس أن الغلق في القانون العام يجمع بين العقوبة الجزائية ومعنى التدبير الوقائي .
ومهما يكن الأمر فإنّ الغلق المقصود هنا هو الوقف الإداري للنشاط و الذي هو عبارة عن إجراء يتّخذ بمقتضى قرار إداري و ليس الوقف الذي يتّم بحكم قضائي.
وفي هذا الإطار نشير إلى بعض الحالات كتطبيق لهذا الجزاء ، حيث نصّ المشرّع الجزائري في المرسوم التنفيذي 93-165 المنظم لإفراز الدخان و الغاز و الغبار و الروائح و الجسيمات الصلبة في الجو بقوله" إذا كان استغلال التجهيزات يمثّل خطرا أو مساوئ أو حرجا خطيرا على أمن الجوار وسلامته و ملاءمته للصحة العمومية ، فعلى الوالي أن ينذر المستغّل أو بناء على تقرير مفتش البيئة بأن يتخذ كل التدابير اللازمة لإنهاء الخطر و المساوئ الملاحظة و إزالتها و إذا لم يمتثل المستغّل أو المسيّر في الآجال المحددة لهذا الإنذار يمكن إعلان التوقيف المؤقت لسير التجهيزات كليا أو جزئيا بناء على إقتراح مفتش البيئة بقرار من الوالي المختص إقليميا دون المساس بالمتابعات القضائية ....." .
كما قرر المشرّع في القانون المتعّلق بتسيير النفايات 01-19 أنه عندما يشّكل استغلال منشأة لمعالجة النفايات أخطارا أو عواقب سلبية ذات خطورة على الصحة العمومية و/أو على البيئة ، تأمر السلطة الإدارية المختصة المستغّل باتخاذ الإجراءات الضرورية فورا لإصلاح هذه الأوضاع ، وفي حالة عدم إمتثال المعني بالأمر، تتخذ السلطة المذكورة تلقائيا الإجراءات التحفظية الضرورية على حساب المسؤول و /أو توقف كل النشاط المجرم أو جزء منه .
فالوالي مسؤول عن غلق المنشآت الخاصة بالنفايات المنزلية وما شابهها ورئيس المجلس الشعبي البلدي مسؤول عن غلق المنشآت الخاصة بالنفايات الهامدة باعتبارهما هما من يمنحا رخصتا الاستغلال لهما .
والأمر نفسه تناوله قانون حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة و الذي ينصّ على أنه إذا لم يمتثل مستغّل المنشأة غير الواردة في قائمة المنشآت المصنّفة للإعذار في الأجل المحدد يوقف سير المنشأة إلى حين تنفيذ الشروط المفروضة .
وقد كرّس المشرّع هذا الجزاء أيضا من خلال قانون المناجم 01-10 الذي نصّ على أنه في حالة معاينة المخالفة يمكن لرئيس الجهة القضائية المختصة وفقا للإجراء الإستعجالي أن يأمر بتعليق أشغال البحث أو الاستغلال بناء على طلب السلطة الإدارية المؤهلة .
نلاحظ أن المادة212 من قانون المناجم المذكور سابقا قد قيّدت سلطة الإدارة المؤهلة أي ادارة المناجم في وقف النشاط إلا بعد تقديم طلب للغرفة الإدارية و نرى أنه كان على المشرع أن يترك للإدارة السلطة التقديرية لأن حماية البيئة تتطلب السرعة في تنفيذ القرارت.
كما نصّت المادة 57 منه على أن السلطات المحلية تتخذ الإجراءات و التدابير التحفظية بناء على إقتراح من الوكالة الوطنية للمناجم في حالة كانت أعمال البحث والإستغلال المنجمي ذات طبيعة تخّل بالأمن و السلامة العمومية و سلامة الأرض وصلابة المساكن والمنشآت وطبقات المياه و استعمال موارد التزود بالمياه الصالحة للشرب و السقي و نوعية الهواء التي تشّكل خطرا على السكان المجاورين.
الفرع الرابع: الجباية البيئية
إن الوقوف عند قوانين المالية الجزائرية لاسيما بعد سنة 1992 ، تظهر إهتماما بيئيا واضحا ، تجسدت من خلال فرض تدريجي للجباية على الأنشطة الملوثة للبيئة بشكل ردعي ومع نظرة وقائية من أجل الحماية و المحافظة على البيئة في الجزائر، ووضع حد للتدهور البيئي تأثرا بالإهتمام الدولي وإنتشار الوعي البيئي دولياً و داخلياً و لهذا بدأ التكفل بهذه الحماية مادية من خلال وضع مجموعة من الرسوم الغرض منها مزدوج وقائي و ردعي .
فالجباية البيئية تعّد من الأدوات الإقتصادية الناجحة حالياً والأكفىء على الإطلاق لحماية البيئة والحد من أثار التلوث، وهي متمثلة في الضرائب والرسوم المفروضة من طرف الدولة بغرض التعويض عن الضرر الذي يسببه الملوث لغيره على إعتبار أن الحق في البيئة النظيفة هو الحق المطلق لجميع الأفراد على إختلافهم بالإضافة إلى أن الجباية البيئية قد تشمل مختلف الإعفاءات والتحفيزات الجبائية للأشخاص المعنويين و الطبيعيين الذي يستخدمون في نشاطاتهم الإقتصادية تقنيات صديقة للبيئة .
كما تعرف على أنها إحدى السياسات الوطنية المستحدثة مؤخراً و التي تهدف إلى تصحيح النقائص عن طريق وضع تسعيرة أو رسم أو ضريبة للتلوث و يعبر عنها بالضرائب الخضراء أو الضرائب الإيكولوجية و تأخذ الجباية البيئية ثلاث صور هي الرسوم و الضرائب و الأتاوى .
فالجزائر أقرت الجباية البيئية عملاً بمبدأ الملوث الدافع الذي أشار إليه المشرع الجزائري في قانون البيئة الجديد 03-10 والذي يعكس إرادة المشرع في انتهاج النهج الضريبي من أجل استعمال عقلاني لموارد الطبيعة وتفعيل لجوانب الحماية البيئية وهذا بداية من سنة 1992 وبموجب قانون المالية91- 25 حيث تنص المادة 117 منه على تأسيس رسم على النشاطات الملوثة أو الخطيرة على البيئة وحدّد القانون المعدّل الأساسي للرسم السنوي حسب طبيعة المنشأة المصنفة، حيث حدّد مبلغ 3000 د ج للمنشآت المصنفة التي لها نشاط واحد خاضع لاجراء التصريح ومبلغ 30000 دج للمنشآت المصنفة التي لها نشاط واحد خاضع لاجراء الترخيص .
والولاية خصّها قانون المالية بالذكر من خلال الرقابة التي يفرضها الوالي على المؤسسات المصنّفة من الفئة الثانية التي تتضمن على الأقل منشأة خاضعة لرخصة الوالي المختص اقليميا ، وهذا حسب المادة 03 من المرسوم التنفيذي 06 – 198 والذي عدّل المرسوم رقم 98 – 339 ، لكن هذا التعديل مسّ فقط الجانب الاداري مثل استحداث لجنة ولائية للنظر في الملفات ولم يمسّ قيمة الرسوم على الأنشطة الملوثة أو الخطيرة ، حيث بقيت تستند الرسوم على نفس نوع المؤسسات الواردة في المرسوم 98 – 339 ليأتي قانون المالية لسنة 2000 ليعدل المادة 117 من قانون المالية 91 – 25 لسنة 1992 " السابق " خصوصا ما يتعلق بالمبالغ السنوية للرسم على النشاطات ، لكنه أبقى على نفس الرسوم الواردة في القانون 91 – 25 وعلى أساس المعايير التي تمّ تحديدها في المرسوم 98-339 حيث نجد أنه قد حدّد 90000 دج بالنسبة للمنشآت المصنفة التي تخضع احدى نشاطاتها على الأقل لرخصة الوالي المختص اقليميا طبقا للمرسوم، أما بالنسبة للمنشآت التي لا تشغل أكثر من شخصين فحدّد رسومها ب 18000 د ج والتي تخضع لرخصة من الوالي أيضا.
ومنه نلاحظ أنه و بعد صدور قانون المالية لسنة 2002 والذّي عرفت فيه حماية البيئة دفعا جديدا في مجال آليات الحفاظ عليها خاصة من ناحية الرسوم الإيكولوجية المفروضة لحماية البيئة إلا أن مهام الولاية في الرقابة على المنشآت المصنفة لحماية البيئة مازال يقتصر على بعض المنشآت و التي تخضع لرخصة الوالي ، كما أن الإيرادات المحصّلة من الجباية البيئية والمخصّصة للولاية جراء قيامها بالرقابة ضئيلة جدا ما يجعلها أحيانا غير قادرة على مواجهة التلوث الناتج على الأنشطة الصناعية مقارنة بما تحصل عليه من الرسوم .
دعما للولاية في حماية البيئة من خلال قانون المالية فإن البلدية أخصّها هذا القانون بمراقبة النشاطات الصناعية الملوثة و تكمن هذه المراقبة على منح التراخيص للمؤسسات المصنفة ، إذ حدّد قيمة الرسم المطبّق على المنشآت الخاضعة لترخيص من رئيس المجلس الشعبي البلدي بـ 20000 دج و يخفض إلى حدود 3000 دج سنويا بالنسبة للمنشآت التي لا تشغل أكثر من شخصين .
كما خوّل المشرع الجزائري للبلديات حرية نسبية في تنظيم بعض الرسوم الإيكولوجية خاصة الرسم المتعلق بالنفايات الحضرية ، حيث كانت قيمة رفع النفايات المنزلية زهيدة ما عطّل تطور خدمات رفع النفايات و لم يكن بمقدرة البلديات تطوير أساليب معالجة هذه النفايات ، إذ لم تكن تكتفي إلا برفع النفايات من المناطق الحضرية و إلقائها في الوسط الطبيعي ، لذا جاء قانون المالية لسنة 2002 ليجسد مبدأ الملوث الدافع لمعالجة هذا الوضع و تم تحديد نسب هذه الرسوم ما بين 500 دج و 1000 دج عن كل محل ذي إستعمال سكني و ما بين 1000دج و 10000 دج عن كل محل ذي إستعمال مهني أو تجاري أو حرفي أو ما شابهه و ما بين 5000 دج و 20000 دج عن كل أرض مهيأة للتخييم و المقطورات و ما بين 10000 دج و 100.000 دج عن كل محل ذي إستعمال صناعي أو تجاري أو حرفي أو ما شابهه ينتج كمية من النفايات تفوق الأصناف المذكور أعلاه .
ويتم تحديد هذه الرسوم و تطبيقها على مستوى كل بلدية بقرار من رئيس المجلس الشعبي البلدي بناء على مداولة المجلس الشعبي البلدي و بعد إستطلاع رأي السلطة الوصية .
كما نص المشرع على تقديم الدعم المالي في حق القائمين بهذه النشاطات و يتمثل في الاستفادة من تحصيل الضرائب و الرسوم و الأتاوي التي تحدّد قائمتها و مبلغها عن طريق التشريع المعمول به والجدول التالي يوضح إستفادة البلديات من الرسوم .
الرقم نوع الرسم نسبة إستفادة البلديات إستفادة الهيئات الأخرى
01 الرسم التحفيزي لإنقاص المخزون من النفايات الصناعية الخطيرة 10 ٪ 15 ٪ لفائدة الخزينة العمومية
75 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
02 الرسم التحفيزي لإنقاص المخزون من النفايات المرتبطة بأنشطة العلاج للمستشفيات و العيادات 10 ٪ 15 ٪ لفائدة الخزينة العمومية
75 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
03 رسم على الأنشطة الملوثة و الخطيرة 00 ٪ 100 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
04 الرسم التكميلي على التلوث الجوي ذو الطابع الصناعي 10 ٪ 15 ٪ لفائدة الخزينة العمومية
75 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
05
الرسم على الوقود 00 ٪ 50 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
50 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
06 الرسم على رفع النفايات المنزلية 100 ٪
07 الرسم التكميلي على المياه الملوثة 30 ٪ 50 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
20 ٪لميزانية الدولة
08 الرسم التكميلي على المياه المستعملة ذات المصدر الصناعي 30 ٪ 20 ٪لفائدة خزينة الدولة
50 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
المصدر: من إعداد الطالب بالإعتماد على: قانون المالية 2000 ، 2002 ،2003 ، 2006
- يحي وناس " الآليات القانونية لحماية البيئة في الجزائر " المرجع السابق ، ص ص 83 إلى 85 .
- بن أحمد عبد النعم "الوسائل القانونية الإدارية لحماية البيئة في الجزائر، المرجع السابق ص ص109 ، 110.
- حسنونة عبد الغني : الحماية القانونية للبيئة في إطار التنمية المستدامة ، المرجع السابق ، ص81 - سمير بن عايش " السياسة العامة في الجزائر ..." المرجع السابق ، ص 66
ومنه ترتيبا على ما سبق يتضّح لنا أن السياسة الجبائية البيئية و إن كانت لها دور و أهمية في الحدّ من التلوث إلا أنها يعتريها بعض النقائص حيث تتميز من ناحية التجسيد بين نقص في العزيمة و غياب الشفافية في التطبيق حيث تقوم على تحميل الطرف الملوث " أصحاب المؤسسات الملوثة " عبء الرسم و ذلك بغرض حمله على المساهمة في النفقات التي تقتضيها عملية إزالة التلوث و حماية البيئة ، ما يجعل أصحاب المؤسسات الملوثة تعوّض عن دفع الرسوم و يعكس المبلغ على المستهلك و بالتالي المستهلك من يتحمّل الرسوم و تصبح الرسوم غير ردعية تجاه الملوث المباشر .
كما أن البلدية لا تستفيد من عوائد الرسوم البيئية إلا بنسب صغيرة و أحيان لا تستفيد من هذه الرسوم نهائيا رغم أنها معنية بالحفاظ و حماية جميع عناصر البيئة على مستوى إقليمها ، لذلك لا بد من إعادة النظر في النسب المشار إليها في الجدول، قصد تحقيق التنمية المستدامة على المستوى المحلي كما يجب إعادة النظر في تطوير الجباية البيئية حتى تستجيب لأهداف حماية البيئة و التنمية المستدامة كي لا يكون تأثيرها سلبيا على البيئة، كما يجب تخصيص هذه الرسوم لحماية البيئة وفقط .
المطلب الرابع: مشاكل ممارسة الضبط الإداري المحلي
تعتبر الجماعات المحلية الحلقة الأهمّ في تنفيذ السياسات العامة البيئية على أرض الواقع و على المستوى الوطني باستخدام الوسائل والإمكانات المادية والبشرية المتاحة وممارسة صلاحياتها المنصوص عليها في القوانين ، ولاشكّ أن النصوص القانونية المتعلقّة بحماية البيئة إعترفت بصلاحيات ضبطية معتبرة للجماعات المحلية " الولاية و البلدية" في هذا الصدد ،غير أنّ ممارسة تلك الصلاحيات لم يبلغ المرجو منه بسبب عدّة مشاكل ومعوقات منها القانونية و منها الواقعية التي تحول دون ممارسة سلطات الضبط الإداري المحلي على أكمل وجه .
الفرع الأول: مشاكل ذات طابع قانوني
تتّحد جملة من المشاكل القانونية مع بعضها البعض لتعرقل بشكل أو بآخر المسؤول المحلي للإضطلاع بمهامه على أحسن وجه، و هي على وجه الخصوص تناثر النصوص القانونية و تضخّمها ، نصوص قانونية عامة و سلطة تقديرية واسعة...، كذلك الإحالة المفرطة على النصوص التنظيمية .
أولا: تناثر النصوص القانونية البيئية
إنّ ممّا يزيد من تعقيد ممارسة الجماعات المحلية لسلطاتها الضبطية هو تناثر صلاحياتها ضمن ترسانة كبيرة من القواعد القطاعية التي يصعب ضبطها وفهمها حتى من قبل المتخصّصين، حيث وممّا يلاحظ على التعديل الجديد لقانون البيئة من خلال قانون 03-10 أنه لم يعاود النص على أنّ الجماعات المحلية تمثّل المؤسسات الرئيسية لتطبيق تدابير حماية البيئة ، بسبب الإنتقال من الإطار المحلي إلى الإطار الجهوي الذي يراعي الإمتداد الطبيعي للأوساط، بإعتباره أسلوب حديث لتسير البيئة و المحافظة عليها .
وقد أحصينا أكثر من 16 نصا تشريعيا ينظم مسائل مختلفة متعلّقة بالبيئة وعشرات النصوص التنظيمية ، وتعالج تلك النصوص مواضيع متشعّبة تتعلّق بالنفايات وتهيئة الإقليم والسياحة وإستغلال الشواطئ ومناطق التوّسع و المواقع السياحية والتهيئة العمرانية والطاقات المتجددة والوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث والمياه والقانون التوجيهي للمدينة وحماية الأنواع الحيوانية والمساحات الخضراء والصحة...إلخ.
ثانيا: نصوص قانونية عامة و سلطة تقديرية واسعة
إذا حاولنا فحص أحكام قانون حماية البيئة لعام 2003 نجد أن طريقة وضع القواعد المادية التي توضّح سلطات متخذّي القرار في مجال حماية البيئة تمّت بطريقة مبهمة إذ تضمّنت الأحكام الواردة في الباب الأول من هذا القانون جملة من التوجيهات و المبادئ التي تضبط مضمون القرار الإداري البيئي فجاءت التوجيهات بالنص على ترقية و تنمية مستدامة تراعي تحسين الإطار المعيشي و نوعية الحياة والحفاظ على البيئة ووقايتها من كل أشكال التلوّث و إصلاح الأوساط المتضررة ، وترقية الاستعمال الإيكولوجي و العقلاني للموارد الطبيعية، كما وردت المبادئ التي تحكم القرارات الإدارية في مجال حماية البيئة عامة وخالية من الطابع القانوني، إّذ نصّت على مراعاة مبدأ المحافظة على التنوع البيولوجي و مبدأ عدم تدهور البيئة الطبيعية ...إلخ.
وتعتبر هذه الأحكام و التوجيهات قواعد مادية تخوّل الجماعات المحلية سلطات تقديرية واسعة لتحقيق الأهداف المرجوّة، و بذلك يميل النظام في هذه الصورة إلى المرونة المطلقة لأنه لا يحدد صيغة لاتخاذ القرارات الملائمة لبلوغ هذه الأهداف .
كما نلاحظ عند تصفحنا مواد في قانون الولاية مثل المادة 77 و 78 مواد في قانون البلدية 108، 109 ،110 ،112 التي تتعلق بحماية البيئة قد جاءت عامة و يكتنفها الغموض و دون تفاصيل .
ومنه إذا كان النظام المرن لممارسة الصلاحيات المحلية ايجابيا من الناجية النظرية ، لأنه يستند الى القدرة على الاجتهاد و الإبداع و التأقلم الإداري لمواجهة المشاكل البيئية المستجدة إلاّ أن تطبيق هذا النظام المرن لا يخلو من الصعوبات من الناحية الواقعية ، منها ما يتعلق بنقص الإطار البشري المتخصص المبدع ، و تذبذب المواقف السياسية حول موضوع حماية البيئة ،كما أن من الآثار السلبية لهذا النظام يؤدي إلى عدم المساواة في معالجة مخالفات المنشآت الملوثّة في مختلف ولايات الوطن بالرغم من اتحاد أو تطابق المضار و المخاطر المهددة للبيئة ، حيث يتوقف إصدار القرار الإداري الضبطي المحلي على اعتبارات شخصية خاصة بمصدّر القرار و أخرى موضوعية تخص الواقعة أو المنشأة محلّ التدخل .
وعليه فإنّ السلطة التقديرية الواسعة أصبحت مع عمومية النصوص القانونية و غموضها عبئا ثقيلا على الجماعات المحلية بدلا من أن تكون إمتيازا لها يفعّل صلاحياتها لحماية البيئة.
ثالثا: إحالة مفرطة على النصوص التنظيمية
إذا كنّا قد أشرنا سابقا إلى أن السلطة التقديرية الواسعة التي منحتها النصوص القانونية المتعلقة بحماية البيئة كان لها تأثير سلبي على مصدر القرار الضبطي المحلي البيئي لمواجهة الأخطار أو المضار البيئية الواقعة منها أو المحتملة فإن المشرع وضع ضمن هذه القوانين التي لها علاقة بحماية البيئة صلاحيات مقيّدة تمارس وفقا لنظام شكلي صارم و جامد حيث حدّد فيه بدقة السلطات و ما ينبغي عليها القيام به ، وإذا كان النظام يعدّ أكثر ملائمة للسلطات الإدارية المحلية في الجزائر ، فإن تطبيقه في الحياة العملية لا يسلم من العوائق التي تحد من فعّاليته.
حيث تحيل الكثير من النصوص القانونية المحددة لصلاحيات الإدارة تفصيل وبيان هذه الصلاحيات على النصوص التنظيمية، وهذه ما تسمىّ بإشكالية الإحالة كما يسميّها الأستاذ رداف أحمد فقد تناول قانون حماية البيئة 03-10 ، 31 إحالة و قانون 01-19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها 11 إحالة .
وفي غياب النصّ التنظيمي أو تأخر صدوره لفترة طويلة يتعذر على مصدّر القرار الضبطي البيئي المحلّي إصدار قرارته الضبطية لمواجهة المخاطر البيئية وهذا ما يحدث في غالب الأحيان ، إذ أن تأخر صدور النصوص التنظيمية هي ظاهرة عامة و مقلقة في النظام القانوني الجزائري بصفة عامة أو أن يتحوّل مصدّر القرار المحلي إلى سلطة ناشئة للنص التنظيمي و هو وضع نادر جدا في الممارسة البيئية في الجزائر، وبالتالي فالإحالة تضاعف من متاعب الإدارة المحلية في مجال الضبط الإداري المحليّ ويحّد بشكل لافت من مبادرتها لحماية البيئة .
الفرع الثاني: مشاكل ذات طابع واقعي
إضافة إلى المشاكل ذات الطابع القانوني التي تعترض ممارسة الضبط الإداري المحلي هناك مشاكل ذات طابع واقعي تتمّثل في تفاوت التحديات والمخاطر البيئية بين المناطق و تواضع المؤهلات التقنية والبشرية الواجبة لاتخاذ القرار الإداري الضبطي المحلي كذلك محدودية الموارد المالية وضعف التشاركية في اتخاذ القرار الإداري الضبطي البيئي المحلي .
أولا: تفاوت التحدّيات والمخاطر البيئية بين المناطق
بإستقراء مختلف النصوص التشريعية و التنظيمية المنظّمة لإختصاصات الجماعات المحلية في مجال حماية البيئة سواء تعلّق الأمر بقانون البلدية أو الولاية أو بقية النصوص الأخرى نجد أنها تتعامل كلها مع الأوساط الطبيعية المختلفة و المشاكل البيئية وفق نمط إداري واحد، أي أنها لا تأخذ بتنوّع الخصوصيات الجغرافية و الطبيعية للجماعات المحلية ، رغم إختلافها الجوهري من حيث التكوين الفيزيائي و الطبيعي وكذا تفاوت مواردها المالية وتركيبتها البشرية المؤهلة لمعالجة المشاكل البيئية .
حيث يتنوّع التكوين الطبيعي وخصوصية المشاكل المتعلقة بالبلدية الساحلية * والجبلية و السهبية والصحراوية، ونتيجة لهذه الخصوصيات الفيزيائية و الجغرافية المتباينة لأقاليم الجماعات المحلية عبر التراب الوطني وجب وضع قواعد وبرامج تساهم بفعّالية في تطويق المشاكل الخاصة، عوض إعتماد قواعد موحدّة لتدخّلها .
ثانيا: تواضع المؤهلات التقنية و البشرية الواجبة لإتخاذ القرار الإداري الضبطي المحلي
يتسّم القانون البيئي في معظمه بالطابع التقني والمعقّد، وعليه فقد يتطلب الأمر مواجهة بعض المخاطر البيئية و الوقاية منها مؤهلات تقنية وبشرية معيّنة ذات طابع خاص ومعقّد، كما هو الحال بالنسبة للغازات المنبعثة في الجو أو معالجة النفايات الصناعية الملوّثة للوسط الطبيعي، إذ يرجع تقدير تلك الحالات إلى خبراء متخصّصين وتجهيزات معيّنة وهو ما لا تتوفّر عليه الجماعات المحلية في الجزائر خاصة بالنسبة للبلديات النائية والمعزولة، وإن وجدت تلك المؤهلات في بعض المناطق فهي غير موجودة بأخرى أو توجد عند مستويات متواضعة جدا، ولاشكّ أن مصدر القرار الإداري الضبطي بحاجة ماسّة لمثل هذه الاستشارات التقنية والبشرية التي يبني عليها قراره، ويترجم هذا التواضع في المؤهلات البشرية و التقنية بكثرة الانتهاكات للقوانين والتنظيمات الحامية للبيئة في العديد من مناطق الوطن ما يؤثر سلبا على تطبيق النصوص المتعلقة بها .
وبالرغم من أن قانون البلدية نصّ على إمكانية استعانة رئيس المجلس الشعبي البلدي بصفة استشارية بكل شخصية محلية و كل خبير و/أو كل ممثّل جمعية محلية معتمدة قانونا من الذين من شأنهم تقديم مساهمة مفيدة لأشغال المجلس أو لجانه بحكم مؤهلاتهم أو طبيعة نشاطاتهم .
غير أن تجسيد هذا النص في الواقع تواجهه صعوبات تتعلق بدرجة وعي المنتخب المحليّ و تقبله لفكرة الاستشارة في حدّ ذاتها من جهة، وتوفّر هؤلاء المستشارين و الخبراء في كل البلديات من جهة أخرى .
ثالثا: محدودية الموارد المالية
تعاني مختلف الجماعات المحلية من صعوبات مالية ناتجة عن قلة الموارد المالية و يطرح الأمر بحدّة أكبر بالنسبة للبلديات النائية والمعزولة والتي تقلّ حصيلتها الجبائية نتيجة قلة النشاطات الاقتصادية بها ممّا يجعلها تكتفي بالتخصيص المالي الذي تمنحه لها الدولة، هذه الوضعية المالية تفرض على الجماعات المحلية إقامة مفاضلة بين أوجه صرف عائداتها المالية، ممّا يدفع بها تغليب الإنفاق في غير مجال حماية البيئة والتضحية بها لصالح المتطلبات اليومية لمواطني هذه البلديات .
وكحل لنقص الموارد المالية في بعض الدول كالصين و كولومبيا على سبيل المثال أصدرت قوانين وطنية تخصص بشكل دائم نسبة مئوية من دخل مبيعات الطاقة الكهربائية و المائية للهيئات المحلية من أجل مستجمعات المياه و النوعية البيئية و حماية التربة وبرامج التدريب البيئي لمسؤولي البلديات ، بينما تستخدم دول أخرى رسوم الانبعاث كمصدر محلي للتمويل ، فأنشأ المكتب البلدي لحماية البيئة "تيانجين" بالصين صندوق لمكافحة التلوث الصناعي يموّل بواسطة رسوم الانبعاث .
وبالتالي ومنه فإنّ ضعف الموارد المالية ينعكس على ممارسة الاختصاصات الضبطية البيئية.
رابعا: ضعف التشاركية في اتخاذ القرار الإداري الضبطي المحلي البيئي
تعدّ التشاركية أحد معايير الحكامة الرشيدة في الوقت الحالي، وتلعب مشاركة المواطن وحركات المجتمع المدني دورا مهما لنجاح أي جهود تستهدف حماية البيئة .
المشرّع بدوره تنبّه إلى الدور الذي يلعبه الأشخاص و الجمعيات في مجال حماية البيئة حيث خصصّ فصلا كاملا من الباب الثاني من قانون حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة لسنة 2003 لهذا الموضوع
فنجد أن المادة 36 منه نصّت" تساهم الجمعيات المعتمدة قانونا والتي تمارس أنشطتها في مجال حماية البيئة و تحسين الإطار المعيشي، في عمل الهيئات العمومية بخصوص البيئة، وذلك بالمساعدة و إبداء الرأي و المشاركة وفق التشريع المعمول به".
وخولت هذه المادة للجمعيات إمكانية رفع دعوى أمام القضاء المختص عن كل مساس بالبيئة حتى في الحالات التي لا تعني الأشخاص المنتسبين لها بإنتظام ، بالإضافة إلى المواد 37، 38 .
وهنا يتبادر إلى ذهننا حول بلوغ المواطن و الحركات الجمعوية في الجزائر على المستوى المحلي درجة من الوعي القانوني و الحسّ الجمعوي في ميدان حماية البيئة ؟
لاشكّ أن هذا الإهتمام بالبيئة لا يزال يعتبر هامشيا لدى مواطن جزائري منهمك في تلبية حاجاته اليومية ويبقى في معظم الحالات عند مستوياته الدنيا، وربمّا في المجالات التي تمسّ صحته أو حاجاته الإستهلاكية بصفة مباشرة، كتلوث المياه مثلا أو صرف المياه المستعملة، بل أننا نشهد في الواقع غياب نوع الاستهجان الاجتماعي للسلوكات والانتهاكات البيئية في غالب الأحيان .
كما أن الحركة الجمعوية البيئية لا تزال ضعيفة في الجزائر وتتخبط في مشاكل التمويل و ضعف الحسّ التطوعيّ لدى المواطن و البيروقراطية الإدارية، وهو ما أثرّ سلبا على فعّالية مشاركتها في صنع القرار البيئي، زيادة على التعتيم الذي تمارسه الإدارة البيئية من حيث إتاحة المعلومة البيئية للمواطن عامة وللمهتميّن بالبيئة على وجه الخصوص، إضافة إلى الاستغلال السيء للجمعيات بسبب ضغوط التمويل المتأتّى من تلك الجماعات المحلية .
وتؤثر هذه اللامبالاة في الواقع على درجة تحفيز رجل الإدارة المحلية للتدخّل في مجال حماية البيئة وتنبيهه إلى الانتهاكات التي قد تخفى عليه، أو دفعه إلى التدخل في حالة إمتناعه عن ممارسة سلطاته الضبطية التي خوّلها له القانون كما يحدث في العديد من الدول.
وصفوة القول في ختام هذا المبحث يعتبر الضبط الإداري البيئي أفضل و أهم الوسائل و الأدوات القانونية التي بحوزة الجماعات المحلية في تنفيذ و تجسيد حماية البيئة من جميع الأخطار التي تهددها لا سيما و أنه ذو طابع وقائي بفضل ما يوفره من آليات و تدابير قبلية و بعدية تستعملها سلطات الضبط الإداري للتدخلّ في تحقيق أهدافها البيئية ، كما لا تخلو هذه الوسيلة من معوقات قانونية و واقعية تحول دون ممارسة السلطات الضبطية الإدارية البيئية على المستوى المحلي في الجزائر على أحسن وجه ووفقا للغايات التي يبتغيها المشرع من إسناده لها لتلك السلطات ،ما يتطلب العمل على إزالة هاته العوائق وتسييرها .
المبحث الثاني: التخطيط البيئي المحلي
نظرا لزيادة حدّة المشاكل البيئية من دون إستجابة السياسات البيئية لها، تحتّم على واضعي هذه السياسات أن تتوفر لديهم الأدوات اللازمة لتقليل هذه المخاطر البيئية، حيث تبينّ أن النتائج السياسية المترتّبة على صنع قرار مندفع يكون عادة خاطئا ، و لتصحيح هذه الإختلالات يتوجّب تصحيح مسارات هذه السياسات البيئية و يبدأ التصحيح بتخطيط سليم يقوم على فهم دقيق للمشاكل المطروحة و على تصور واضح للحلول و البدائل.
وهنا ظهر التخطيط البيئي بمختلف طرقه و أشكاله كطريقة جديدة لتسيير البيئة إلى جانب الضبط الإداري البيئي، عن طريق إختيار الأهداف و الاستراتيجيات و الأولويات و البرامج لتحضير الوسائل الملائمة لتنفيذها و مراقبة إنجازها و بذلك يضمن أسلوب التخطيط باعتباره وسيلة تصور مستقبلي و تنبؤ و توجيه تحقيق وقائي مسبق لحماية البيئة .
فهو يعرّف على أنه منهج يقوم و يعدّل خطط التنمية من منظور بيئي أو بمعنى آخر هو التخطيط الذي يحكمه بالدرجة الأولى البعد البيئي و الآثار البيئية المتوقعة لخطط التنمية على المدى المنظور و غير المنظور .
ولتجسيد السياسة الوطنية للبيئة في الجزائر ركزّ المخطط الوطني على تطوير التخطيط و التنسيق المحلي و إدماج الجماعات المحلية في تطبيق التوجيهات التي تضمّنها، و هذا ما سنبينّه من خلال التطرق إلى مفهوم التخطيط البيئي المحلي " مطلب أول" و أنواع المخططات المحلية " مطلب ثاني".
المطلب الأول: مفهوم التخطيط البيئي المحلي
لقد حاول المشرّع الجزائري الاعتماد على آليات حديثة لحماية البيئة يكون من خلالها للجماعات المحلية دور جوهري و أساسي في هذا المجال ، وهذا من خلال التخطيط البيئي المحلي ، الذي أعطت له الدولة الجزائرية أولوية واهتماما كبيرا كأسلوب وقائي للبيئة و ليقينها كذلك أن أي سياسة أو استراتيجية بيئية لا تكون فعّالة إلاّ بمشاركة الجماعات المحلية وهذا ما يقودنا إلى إعطاء تعريف لهذا الأسلوب وبيان عناصره و أهميته في الحفاظ على البيئة .
الفرع الأول: تعريفه
على المستوى التشريعي نلاحظ غياب تعريف قانوني للتخطيط البيئي بشكل عام والتخطيط البيئي المحلي بشكل خاص بالرغم من الإشارة إلى التخطيط البيئي بشكل عام في المادة 03 من القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة ، حيث أشارت إليه في سياق تحديد المبادئ التي يقوم عليها هذا القانون و كذا المادتين 13 ،14 اللتين أشارتا إليه في سياق تحديد الجهة المختصة بإعداد المخططات الخاصة بالنشاطات البيئية ، وكذلك المادة 31 من القانون 01-19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها ، إضافة إلى المرسوم التنفيذي 07-205 الذي يحدد كيفيات و إجراءات إعداد المخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية و ما شابهها الأمر الذي يدعونا لتحديد المقصود منه من خلال المفاهيم الفقهية .
حيث يعرّف التخطيط البيئي على أنه وضع برنامج يتضمّن قواعد و تنظيمات محددة لحماية البيئة ،من خلال التوقع والتنبؤ بالمخاطر والمشكلات البيئية و التي يمكن أن تظهر مستقبلا ، وأخذ الحيطة و الحذر بشأنها عن طريق وضع الخطط اللازمة للوقاية منها و التقليل من خسائرها .
ومنه وممّا سبق و نظرا لغياب مفهوم خاص بالتخطيط البيئي المحلي فإن تعريفه لا يخرج عن نطاق تعريف التخطيط البيئي لكن يكون على المستوى المحلي و بإشراك الجماعات المحلية ، وبالتالي فهو مفهوم ورؤية واعية تعمل كضابط لكل أنواع الخطط الاقتصادية و الاجتماعية التي تستهدف استخدام موارد البيئة بما يحقق لها الاستخدام المتوازن و الآمن على المستوى المحلي ، فعمليات التخطيط البيئي المحلي متكاملة مع عمليات التخطيط للتنمية المحلية و المستدامة حيث يسمح التخطيط البيئي المحلي يإستعاب اهتمامات حماية البيئة المحلية.
الفرع الثاني: عناصر التخطيط البيئي المحلي
على أساس التعريف السابق يقوم التخطيط البيئي المحلي على عنصرين إثنين هما التنبؤ بالمستقبل والإستعداد لمواجهته .
أولا: التنبؤ بالمستقبل
ويقوم على أساس تقديرات و افتراضات يتوقع مخططو الجماعات المحلية" الولاية و البلدية ومجالسهما" وقوعها مستقبلا خلال فترة زمنية معينّة تكون لها تداعيات ضارة على البيئة ، ولذلك يضعون الخطة التي تواجه ذلك مستقبلا و تكون أساسا له، حيث يضعون المخطط الذي يحكمه بالدرجة الأولى البعد البيئي و الآثار المتوقّعة لخطط التنمية .
ثانيا: الاستعداد لمواجهة المستقبل
يجب أن تتسّم أهداف التخطيط البيئي المحلي بالواقعية ، بحيث تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق فعلا ،إذ لا يكفي مجرد توفر الهدف المراد تحقيقه في المستقبل بل يتعيّن أن يتسّم الهدف بالواقعية و القابلية للتحقيق لذلك فإن التخطيط يفترض بالضرورة حل مشاكل الماضي و دراستها استعدادا للمستقبل ، مع حصر كل الموارد و الإمكانيات المتاحة للمستقبل ، كما يتعيّن أن تحدد أفضل الطرق التي تدخل على الافتراضات المستقبلية للاستفادة منها خلال فترة المخطط .
الفرع الثالث: أهمية التخطيط البيئي المحلي
تكمن أهمية التخطيط البيئي المحلي بالدرجة الأولى بوعي الجماعات المحلية بالمسؤولية في حماية البيئة و دورها الفعّال في ذلك لقربها من المواطن و انشغالاته و بالتالي فالتخطيط البيئي المحلي يؤدي إلى ضرورة إيجاد تسيير مستديم للموارد الطبيعية و إحداث تعاون بين البلديات لمواجهة التدهور البيئي .
كما تكمن أيضا أهميته في إعتباره من بين أنجع الوسائل لحماية البيئة و يرجع ذلك لطبيعته الوقائية ، إذ يتحاشى بواسطته حدوث المخاطر و المشاكل البيئية قبل وقوعها ، كما أنه بواسطة هذا النوع من التخطيط يمكن تجنّب الوقوع في التناقض بين السياسات التي تنتجها الأجهزة و المؤسسات التي لها علاقة بحماية البيئة وذلك بسبب أن التخطيط غالبا ما يحدد دور كل من الأجهزة و المؤسسات تلك تحديدا دقيقا و كذلك التنسيق فيما بينها لأجل الحماية الأمثل للبيئة .
كما أن الوقاية من المخاطر و المشاكل البيئية من خلال التخطيط البيئي المحلي يوجب على السلطات المحلية إثراء الأسلوب المحلي البيئي بتوسيع الاستشارة و المشاركة و المشاورة مع كل الشركاء والفاعلين و ممثلي المجتمع المدني.
ويضمّ التخطيط البيئي بصفة عامة في طياّته مشروعات تحقق أرباحا اقتصادية و خير مثال على ذلك مشروعات الاستفادة من المخلفات وإعادة تدويرها، فبدل التخلص منها والتّحمّل في سبيل ذلك نفقات مالية وآثارا بيئية سلبية فإنه يتّم التعامل مع المخلّفات كمورد اقتصادي يتّم من خلال إعادة تدويرها وانتاج العديد من المنتجات .
إنّ التخطيط البيئي من خلال معالجته للمشكلات البيئية و تقويمه لمختلف المشروعات و جعلها لا تنتج آثارا بيئية سلبية يؤدي في نهاية الأمر إلى خلق بيئة صحية آمنة يعيش فيها أفراد أصحّاء بعيدين عن ضغوطات المشكلات البيئية.
كما يكتسب التخطيط البيئي المحلي أهمية كبيرة و ذلك للفوائد الصحية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن تطبيقه ، من التخطيط لزيادة المساحات الخضراء و التشجير في المناطق الحضرية ما يؤدي إلى تنقية الهواء وامتصاص الضوضاء إلى التخطيط لاستخدام الصناعات الصديقة للبيئة والإنتاج الأنظف وإقامة المناطق الصناعية بعيدا عن المناطق السكنية إلى التخطيط لوقف استنزاف الموارد الطبيعية وترشيد استخدامها وفي ذلك منافع اقتصادية كبيرة ، إلى التخطيط لترقية المدينة وإطار الحياة داخل التجمعات العمرانية.
المطلب الثاني: أنواع المخططات المحلية
تعتبر مبدئيا وثائق التهيئة والتعمير المتمثّلة في المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير" PDAU" ومخطط شغل الأراضي "POS" أولى أدوات التخطيط المحلي البيئي، ونتيجة لقصور نظام التخطيط القطاعي العمراني أثناء تنفيذه هذين المخططين و الذي عجز عن تحقيق جميع الأهداف البيئية المحددة، أعيد التفكير في نمط التخطيط البيئي المحلي بالشكل الذي يسمح بإستعاب إهتمامات حماية البيئة المحلية، فتّم استحداث آليات متنوعة للتخطيط البيئي المحلي منها الميثاق " المخطط" البلدي للبيئة والتنمية المستدامة، والمخطط البلدي لحماية البيئة والمخطط الولائي لتهيئة الإقليم ، والمخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية.
الفرع الأول: الميثاق البلدي لحماية البيئة والتنمية المستدامة
أعتمد لأول مرة الميثاق البلدي من أجل البيئة و التنمية المستدامة في إطار برنامج الإنعاش الثلاثي 2001-2004 ،وجاء ضمن أهدافه تحديد الأعمال التي يجب أن تقوم بها السلطات البلدية من أجل الحفاظ على بيئة ذات نوعية جيّدة، وإنتهاج سياسة فعاّلة لتحقيق تنمية مستديمة على مستوى البلديات.
واشتمل هذا الميثاق على ثلاثة أجزاء، تضمّن الجزء الأول منه الإعلان العام الموجّه للمنتخبين المحليين، والمخطط المحلي للعمل البيئي أجندا 21 المحلية لعام 2001-2004، كما شمل عرضا للمؤشرات الخاصة بتقييم البيئة.
تضمّن الإعلان العام إعلان النوايا أو الالتزام الأخلاقي للمنتخبين المحليين تتمثّل في:
- الوعي بالمسؤولية الجماعية لحماية البيئة؛
- وبالدور الفعّال للبلديات لقربها من المواطن؛
- وبضرورة المحافظة على الموارد الطبيعية من أجل تحقيق التنمية المستدامة؛
- وإشراك جميع الفاعلين، من إدارات و جمعيات ومؤسسات وأفراد في المحافظة على البيئة؛
- والإلتزام بعدم نقل المشاكل البيئية الحالية للأجيال القادمة؛
- والعزم على الحد أو التقليل من الانبعاثات الملّوثة ، والإقتصاد في الطاقة، واستعمال التكنولوجيات النظيفة ، وحماية الموارد، وتطوير الفضاءات الطبيعية كالمساحات الخضراء والغابات الموجودة داخل النسيج العمراني.
كما شمل الإعلان الالتزام بتنفيذ برنامج للإعلام و التربية حول حماية البيئة والتنمية المستدامة لصالح المنتخبين المحليين، أعوان الإدارات المحلية وعموم المواطنين، واستعمال وسائل التخطيط و التصور والوسائل التنظيمية والوسائل الاقتصادية وآليات إشراك المجتمع المدني في تسيير البيئة.
وإشتمل المخطط المحلي للعمل البيئي ، والذي يعدّ أرضية عمل تبني عليه الجماعات المحلية سياستها في المحافظة على البيئة، جملة من المحاور تضمّنت:
- ضرورة إيجاد تسيير مستديم للموارد البيولوجية والطبيعية ، وإعتماد نظام التخطيط والتسيير المحلي المبني على إحترام تجانس الخصوصيات الطبيعية لمختلف العناصر الطبيعية؛
- إحداث تعاون بين البلديات لمواجهة التدهور البيئي، وتهيئة المناطق الصناعية؛
- حماية الأراضي الفلاحية؛
- تهيئة المدن، والتسيير المحكم إيكولوجيا للنفايات، وتسيير المخاطر الكبرى؛
- إستشارة المواطنين وإشراكهم في مراحل صنع القرار البيئي؛
- تطوير قدرات البلدية للتكفل بالمشاكل البيئية .
القيام بالتقييم الدوري لحماية البيئة، وإنشاء الوظائف الخضراء.
وتضّمن المحور الثالث المتعلّق بالمؤشرات الخاصة بتقييم البيئة ، قيام البلديات بعمليات جرد و إحصاء لجملة من البيانات البيئية و تقييمها خلال الفترة الممتدّة ما بين 2001- 2004 ، و تخصيص عائدات مالية لكل برنامج مقترح للتدخّل على المستوى المحلي ، ودون أن يوضح الميثاق البلدي للبيئة طرقة تخصيص هذه العائدات المالية.
أما في القانون المقارن تعتبر المواثيق المحلية وسيلة للجماعات المحلية للحصول على دعم مالي، ومن خلال هذا الدعم المالي للأعمال التي تبرمجها الجماعات المحلية تحاول الدولة أن تخلق نوعا من الارتباط بين المنتخبين المحليين والهيئات المركزية.
إلا أنّ نظام عمل الميثاق البلدي حول البيئة و التنمية المستدامة ، ونظرا لحداثته باعتباره التطبيق الأول في الجزائر لازال يثير الغموض حول كيفية التمويل، هذه الإشكاليات العالقة بالمخططات المحلية لا تسمح بتحديد دقيق لعلاقة الجماعات المحلية مع السلطات المركزية في تسيير وحماية البيئة وبذلك لا تتّضح حدود مسؤولية الجماعات المحلية في تنفيذ أو عدم تنفيذ توجيهات هذه المواثيق البيئية المحلية.
واستكمالا للتخطيط البيئي المحلي أوصى الميثاق البلدي لحماية البيئة و التنمية المستدامة بإحداث مخطط محلي للبيئة .
الفرع الثاني: المخطط البلدي لحماية البيئة
أو كما يسمّى أيضا التخطيط البيئي المحلي أجندا 21 المحلي لعام 2001- 2004 ، ففي نتيجة للعجز الكبير الذي آل إليه التدّخل المحلي في مجال حماية البيئة، والإهتمام المتزايد بموضوع حماية البيئة ، اقتنع المخطط الجزائري بأهمية تغيير منهج التدّخل المحلي في تسيير وحماية البيئة بإدخال عنصر التنبؤ و التصور في العمل البيئي المحلي من خلال المخطط المحلي للعمل البيئي البلدي أجندا 21 المحلي لعام 2001-2004 و الذي تمّ النص عليه في الميثاق البلدي حول البيئة والتنمية المستدامة.
تهدف أجندا 21 المحلية إلى تحسين الوضع البيئي وضمان تنمية مستديمة للبلدية على نحو ما أقرّه المجتمع الدولي في يونيو 1992 في ريوديجانيرو ، كما حثت على إثراء أسلوب التسيير المحلي البيئي بتوسيع الاستشارة و المشاركة و المشاورة مع كل الشركاء و الفاعلين و ممثّلي المجتمع المدني ، وتبنّي الجماعات المحلية المجانسة طبيعيا تخطيط بيئي متجانس و برامج مشتركة لمكافحة التلوّث أو للمحافظة على العناصر البيئية وذلك بإحداث أدوات و آليات للتعاون فيما بينها من أجل تسيير البيئة تسييرا فعالا وغير مكلف .
وتضّمن مخطط التسيير المحلي لحماية البيئة:
- ضمان التسيير المستديم للموارد الطبيعية و البيولوجية؛
- وتهيئة المناطق الصناعية ومناطق التوّسع السياحي، والمناطق المحمية، والمواقع الأثرية والثقافية والتاريخية وتسييرها؛
- وترقية المدينة وإطار الحياة داخل التجمعات العمرانية؛
- وتسيير النفايات، ومكافحة تلوث الأوساط المستقبلة من ماء وهواء وتربة؛
- والمحافظة على الأراضي الفلاحية .
وهكذا يتّم التكامل والتنسيق بين مختلف البلديات التي تشترك في أوساط بيئية متجانسة أو تواجهها مشاكل بيئية موحدة وكذا التنسيق مع مديريات البيئة.
ومن خلال معالجة شكلية على مستوى الأدوات القانونية، نجد أن هذين المخططين لم يصدرا في شكل
مراسيم بل تعليمات فحسب في حين باقي المخططات صدرت بمراسيم .
الفرع الثالث: المخططات الولائية لتهيئة الإقليم
صدر النص حول هذه المخططات ضمن مقتضيات المادة 53 من القانون 01-20 المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة و تهدف إلى :
- تنظيم الخدمات المحلية ذات المنفعة العمومية.
- تهيئة وتنمية المساحات المشتركة بين البلديات .
يتخّذ الوالي عملا بأحكام المادة 54 مبادرة إعداد مخطط تهيئة إقليم الولاية، تحدد كيفيات إعداد مخطط إقليم الولاية عن طريق التنظيم، كما يعّد مخطط تهيئة إقليم الولاية للمدة التي يشملها المخطط الجهوي لتهيئة الإقليم، ويعرض على المجلس الشعبي الولائي للمصادقة عليه، تتّم المصادقة على مخطط تهيئة إقليم الولاية عن طريق التنظيم .
الفرع الرابع :المخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية
إضافة إلى المخططات المحلية السابقة جاءت المادة 30 من القانون 01-19 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها لتنص على المخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية وما شابهها الذي يتضّمن أساسا:
- جرد كميّات النفايات المنزلية وما شابهها و النفايات الهامدة المنتجة في إقليم البلدية مع تحديد مكونّاتها و خصائصها؛
- جرد و تحديد مواقع ومنشآت المعالجة الموجودة في إقليم البلدية؛
- الإحتياجات فيما يخص قدرات معالجة النفايات لاسيما المنشآت التي تلّبي الحاجات المشتركة لبلديتين أو مجموعة من البلديات مع الأخذ بعين الإعتبار القدرات المتوّفرة؛
- الأولويات الواجب تحديدها لإنجاز منشآت جديدة؛
- الإختيارات المتعلقة بأنظمة جمع النفايات و نقلها وفرزها مع مراعاة الإمكانيات الإقتصادية والمالية الضرورية لوضعها حيز التطبيق .
ونشير إلى أنّ المخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية وما شابهها يتمّ إعداده تحت سلطة رئيس المجلس الشعبي البلدي، حيث يجب أن يغطّيّ هذا المخطط كافة إقليم البلدية وأن يكون مطابقا للمخطط الولائي للتهيئة ويصادق عليه الوالي المختص إقليميا وقد أحال المشّرع الجزائري مسألة كيفيات إعداده إلى التنظيم ، وهو ما جسّد فعلا من خلال المرسوم التنفيذي 07-205 الذي يحدد كيفيات وإجراءات إعداد المخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية و ما شابهها و نشره ومراجعته حيث يعلّق مشروع هذا المخطط لمدّة شهر في مقر البلدية و يوضع تحت تصرف المواطنين لإبداء الرأي فيه ، كما يمكن الإستعانة بخدمات الوكالة الوطنية للنفايات عند إعداد مشروع هذا المخطط .
يرسل مشروع المخطط إلى المصالح الولائية المعنية لدراسته و إبداء الرأي فيه ثمّ تتّم دراسته و الموافقة عليه خلال مداولات المجلس الشعبي البلدي ويصادق عليه بقرار من الوالي المختص إقليميا طبقا لأحكام المادة 31 من القانون01-19 المتعلق بتسيير النفايات .
ويتضمن مرسوم التنظيم الحالي لتسير النفايات المنزلية ملحقا لنموذج المخطط البلدي ، و يشتمل على 03 أجزاء، الجزء الأول منه يتضمن تحديد النشاطات الحضرية المنتجة للنفايات المنزلية وما شابهها والنفايات الهامدة كذلك خصائص النفايات المنزلية و ما شابهها ، فحص تنظيم المصالح المكلفة بتسيير النفايات، جرد وتحديد المواقع و منشآت المعالجة الموجودة في إقليم البلدية .
أما الجزء الثاني من هذا المخطط فيتضمّن المخطط الجديد المنظم لتسيير النفايات المنزلية وما شابهها من خلال تقدير التطور الكمّي والنوعي للنفايات المنزلية والنفايات الهامدة باعتبار النمو الديمغرافي ومسارات النمو الإقتصادي وكذا إمكانيات تقليص إنتاج النفايات عند المصدر، وكذلك إنتقاء الخيارات المتعلقة بأنظمة جمع النفايات ونقلها وفرزها مع مراعاة الإمكانيات الاقتصادية والمالية الضرورية لوضعها حيز التنفيذ، خاصة ما تعلق بالتقسيم الملائم للبلدية إلى قطاعات وأوقات الجمع والوسائل البشرية والمادية اللازمة وإمكانية تنظيم وتطوير أسواق إسترجاع النفايات وتثمينها ، بالإضافة إلى تقدير وتطوير القدرات اللازمة لمعالجة النفايات مع إبراز الأولويات الواجب تحديدها لإنجاز منشآت جديدة لفرز النفايات ومعالجتها وإزالتها.
أما الجزء الثالث يتمحور حول تقدير الإستثمارات اللازمة لتنفيذ المخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية وما شابهها .
النظام القانوني للمخططات المحلية
نتيجة لحداثة إعتماد نظام التخطيط البيئي المحلي فإنه لا يزال يشوبه غموض في جوانب متعددة من بينها عدم وجود هيئات محلية متخصصة تقوم بالعمل التنبّؤي الخاص بحماية البيئة بمفردها ، ذلك أن الطريقة التي أعتمدت بها هذه المخططات البيئية المحلية " الميثاق البلدي من أجل البيئة و التنمية المستدامة و التخطيط البيئي المحلي أجندا 21 المحلي لعام 2001- 2004" تمّت عن طريق فتح نقاش عام حول حالة البيئة تحت إشراف وزارة تهيئة الإقليم و البيئة .
هذه التجربة الأولى للتخطيط البيئي المحلي تدفعنا للبحث في القوانين المقارنة عن كيفية إعتماد هذه المخططات و المواثيق المحلية ، إذ نجد أن تجربة التخطيط البيئي المحلي في فرنسا تمّت بطريقة مختلفة بحيث تمّ وضع المواثيق البيئية في إطار عقود البرامج بين الدولة من جهة و بين الجهات المحلية من جهة أخرى بواسطة إتفاقية تفاوضية وليس بأسلوب المنحة كماهي عليه التجربة الجزائرية .
ويبيّن أسلوب إعتماد المواثيق المحلية في التجربة الفرنسية والذي يتمّ بالإتفاق بين الدولة و الجهات ومن خلالها البلديات فإنه يهدف إلى إحداث إنسجام وتكامل بين المخططات المحلية في الجانب اللامركزي مع عدم التركيز في النمط المركزي المتمثّل في المديريات البيئية على المستوى المحلي والقضاء على الإنفصال والتناقض الحاصل في نظم التسيير المحلية، ومن أجل أن يحمل المخطط المحلي التطلعات والتوجيهات المركزية .
وبذلك نجد أن المواثيق البيئية في الجزائر وضعت بطريقة المنح و بدون وجود أي تنسيق مسبق بين الجماعات المحلية المتجانسة جغرافيا و طبيعيا أو المنضوية ضمن نفس الجهة الواحدة فيما بينها و بين الجهات المركزية، ولهذا تميزت هذه المواثيق و المخططات بالطابع المحلي المحض، الذي لا يخرج عن التوزيع الكلاسيكي للصلاحيات المحلية - بلدية، ولاية-، وترتيبا على ذلك لم تساهم المواثيق البيئية المحلية في تجسيد نظام التخطيط الجهوي وإنحصرت ضمن أساليب التسيير المحلي التقليدية .
هذا الإختلاف الجذري في طريقة وضع المواثيق و المخططات البيئية يوّضح أن المخططات المحلية للبيئة لم تحدث أي تغيير في نمط التسيير المحلي على مستوى التنسيق بين مختلف الجماعات المحلية المتجانسة طبيعيا ولا على مستوى تعزيز ربط التخطيط البيئي المحلي بالتخطيط البيئي المركزي .
هذا الغموض في النظام القانوني للمخططات المحلية كان للاعتبارات التالية:
- من حيث القيمة القانونية فهي لم تصدر بقانون أو مرسوم تنفيذي مثل ماهو عليه الحال بالنسبة لمخططات التهيئة والتعمير بل جاءت بعد نقاش عام فتحته وزارة البيئة و تهيئة الإقليم؛
- أنه لا يمكن الإدّعاء بها أمام القضاء نظرا لعدم إلزاميتها كونها ذات طابع أخلاقي و معنوي تقوم على تحسيس الجماعات المحلية بضرورة المحافظة على البيئة و لا تفرض عليها أعباء أو التزامات قانونية .
إضافة فإنها تساهم من ناحية أخرى في تضخيم النصوص والوثائق و تزيد من تمييع مسؤولية الجماعات المحلية في حماية البيئة بفعل تحويلها إلى مسؤولية أخلاقية .
ومنه و ختاما لهذ المبحث يمكن القول أن التخطيط البيئي المحلي باعتباره أسلوب حديث لحماية البيئة يعمل على تكريس أحد المبادئ الهامة التي تستند إليها التنمية المستدامة ألا وهو مبدأ إدماج البعد البيئي ضمن إستراتيجية التنمية المحلية حيث يشكّل رؤية واعية تعمل كضابط من خلال التنبؤ بالمخاطر المحدقة بالبيئة و من ثمّة ايجاد الحلول المستقبلية .
كما أن نجاح أي استراتيجية بيئية أو أي أسلوب و التي من بينها التخطيط البيئي لا تكون ناجعة وفعّالة دون إشراك الجماعات المحلية و التنسيق معها لاسيما وأنها الأقرب إلى المشكلات البيئية في الواقع، بالإضافة إلى أنّ فرص نجاح التخطيط البيئي المحلي يرتفع إلى حدّ كبير إذا ما تمّ أخذ عنصر المشاركة الشعبية بعين الاعتبار عند اعداد وتنفيذ المخططات البيئية المحلية، حيث أن الأفراد المحليين أكثر إرتباطا ببيئتهم و إدراكا لمشاكلها، ولذلك فإنّ مشاركتهم يوفّر للمخططّين البيئيين بيانات ومعلومات قيّمة وتفهما أفضل ، كما يكسب تأييدهم و تقبلهم للمشاريع المدرجة في المخططات البيئية.
غير أن ما يعاب على المخططات البيئية المحلية هو الطريقة التي اعتمدت بها حيث يجب إعادة النظر فيها من خلال تحضير لجان عمل متعددّة القطاعات وإشراك فعّال لكل الشركاء مع بيان النظام القانوني لهذه التوجيهات التي تتمخض عن عمل هذه اللجّان إلى جانب التوجيهات الأخرى المجسدة في مختلف أدوات التخطيط العمرانية والقطاعية والمحلية من أجل القضاء على كل تعارض أو تضارب في الأهداف والوسائل التي تتضمنها وثائق التخطيط البيئي المحلي .
المبحث الثالث: المرفق العام كوسيلة لحماية البيئة
إنّ الضبط الإداري و المرفق العام يشكّلان موضوع النشاط الإداري ، إذ تجري بسببهما و تدور حولهما كل التصرفات القانونية اللازمة لحماية البيئة إلاّ أنّ ثمّة فوارق من حيث الأسلوب في ممارسة السلطة ، إذ أنّ السلطة في الضبط الإداري أكثر قوة منها في المرفق العام و تقوم على الأمر و النهي على أساس أنّ حماية النظام العام و الصحة العامة تتطلب الحزم و الجزم في ضبط و تقييد حرية الأفراد ، في حين نجد أسلوب ممارسة السلطة في إدارة المرفق العام تختلف بإختلاف طبيعة المرفق لاسيما المرافق الإقتصادية و المهنية حيث يغلب عليها طابع الإدارة و تكاد تتجرد من طابع السلطة ، كما أنّ المرفق العام وسيلة بيدّ الدولة و الجماعات المحلية لتنفيذ الخدمة العمومية و التي من بينها الحفاظ على البيئة وتهيئة المساحات الخضراء مثلا.
المطلب الأول: إنشاء المرفق العام
يكتسي موضوع المرفق العام أهمية بالغة فهو يعدّ محور القانون الإداري بل أنّ هناك من يعرّف القانون الإداري بأنه قانون المرافق العامة وهكذا سعت الجزائر للإعتماد عليه كوسيلة لحماية البيئة .
الفرع الأول: تعريف المرفق العام
عرّفه الأستاذ عمار عوابدي بأنه مشروع ذو نفع عام يرتبط بإدارة عامة ويخضع للسلطة العامة ولنظام قانوني خاص و استثنائي وتنقسم المرافق العامة من حيث طبيعة وموضوع نشاطها إلى مرافق عامة إدارية و مرافق عامة إجتماعية ومرافق عامة إقتصادية .
كمّا عرّفه الأستاذ ريفيرو بأنه نشاط يهدف إلى تحقيق الصالح العام، وعرفته محكمة العمل الأردنية بأنه حاجة جماعية بلغت من الأهمية مبلغا يقتضي تدّخل الحكومة لكي توفرها للأفراد باستخدام وسائل القانون العام سواء كان الأفراد يستطيعون بوسائلهم الخاصة إشباع تلك الحاجة أو لا، أي أنّ الأساسي في المرفق العام هو ضرورة وجود خدمة عامة يهدف بها المشرّع إلى إدارتها من طرف الحكومة مباشرة أو بواسطة ملتزم تحت إشرافها .
فلا يوجد مرفق عام لا يحدث منفعة عامة و يكون مستغل مباشرة من طرف الدولة أو الجماعات العامة أو على الأقل تراقبه وتتحمل مسؤوليته بطريقة غير مباشرة .
فهو نشاط ذو منفعة عامة يمارس من طرف شخص عام أو كل نشاط أثناء تأديته يضمن أو يراقب أو ينظم من طرف الدولة .
وبما أنّ نشاط الجماعات المحلية يعدّ حجر الزاوية لكل سياسة عامة ناجحة و متماسكة لأي دولة والتي تندرج ضمن إستراتيجية الدولة للتنمية المستديمة نجد أن قانون الولاية و البلدية ينصان على إنشاء مرافق أو مصالح عامة بلدية و ولائية من ضمنها التي تعنى بحماية البيئة .
الفرع الثاني: كيفية إستحداث المرفق العام المحلي الخاص بالبيئة
إنّ المرافق العامة المحلية ذات أهمية بالغة بإعتبار أنها تشكل أفضل تجسيد مادي و تمثيل واقعي لفكرة الديمقراطية و نجاعتها ومظهر من المظاهر الرئيسية لقوة اللامركزية و احدى المصادر الهامة لمشروعية الجماعات المحلية و لمسيّريها و التي تضع المنتخبين و الإداريين في خدمة المواطن وراحته لذلك نجد أنّ المشرّع الجزائري أعطى للجماعات المحلية صلاحية إنشاء و إستحداث مرافق عامة محلية ، حيث ينصّ كل من القانون البلدي و قانون الولاية على ذلك.
ففي مجال حماية البيئة بصفة عامة و التي موضوع حديثنا وفيما يتعلّق بالمرافق العامة البلدية تنص المادة 149 من القانون البلدي 11-10 على أنّ البلدية تحدث إضافة إلى مصالح الإدارة العامة مصالح عمومية تقنية قصد التكفل على وجه الخصوص بما يأتي :
- التزويد بالمياه الصالحة للشرب و صرف المياه المستعملة؛
- النفايات المنزلية و الفضلات الأخرى؛
- المحاشر؛
- المذابح البلدية؛
- المساحات الخضراء.
ويشترط لصحة قرار إنشاء المرافق العامة البلدية إجراء مداولة من طرف المجلس الشعبي البلدي لأنها تدخل في شؤون هذا المجلس و بالتالي تعالج عن طريق المداولات .
كما يمكن للولاية وطبقا للمادة 141 من قانون الولاية إنشاء مصالح عمومية ولائية في ميدان الطرق والشبكات المختلفة، النظافة والصحة العمومية ومراقبة الجودة وحماية المساحات الخضراء قصد تلبية الحاجات الجماعية لمواطنيها وهذا بموجب مداولة المجلس الشعبي الولائي، وتحدد كيفيات تطبيقات هذا الحكم المتمثل في إنشاء هاته المصالح العمومية عن طريق التنظيم.
ونظرا لتعدد مظاهر تدخل الدولة في مختلف المجالات والميادين فقد ترتّب على ذلك تنوع أساليب تسيير وإدارة المرافق العامة بما ينسجم مع الظروف التي تحيط بمجال تدخّل الإدارة .
المطلب الثاني: طرق إدارة المرفق العام المحلي الخاص بحماية البيئة
إنّ عملية تنظيم و تسيير المرافق العامة المحلية أو الوطنية هي عملية جوهرية وهي من الأهمية بمكانة تجعلها عملية مصيرية و حيوية للحياة العامة لذلك تختلف طريقة إدارة المرافق العامة بحسب طبيعة تدخل الدولة في نشاطها فنجد أن الدولة أو الجماعات المحلية هي من تحتكر النشاط وتراقب سير المرفق و نشاطه و هذا ما يسمّى بالتسيير المباشر وأحيانا تلجأ إلى تفويض تسيير المرفق العام بأن يعهد تسييره إلى شخص من أشخاص القانون العام أو الخاص .
إذن فطرق إدارة المرفق العام المحلي الخاص بحماية البيئة يسيّر إمّا مباشرة من طرف الجماعات المحلية " الولاية، البلدية" أو عن طريق التفويض وقد جاءت المادة 150 من قانون البلدية محددة لذلك.
الفرع الأول: التسيير المباشر "الكلاسيكي" للمرفق العام المحلي الخاص بالبيئة
بما أن موضوع حماية البيئة أصبح يحظى بالاهتمام الكبير على المستوى المحلي هذا ما جعل الجماعات المحلية تعتمد في تسييرها للمرافق العامة المحلية الخاصة بحماية البيئة على أسلوبين هما الاستغلال المباشر و أسلوب المؤسسة العمومية.
أولا: الاستغلال المباشر
يقصد بالاستغلال المباشر للمرافق العامة المحلية الخاصة بحماية البيئة من طرف الجماعات المحلية
" ولاية، بلدية" سدّ حاجات مشتركة ومنافع معيّنة لسكان إقليم معيّن "ولاية، بلدية" كتسيير مرفق النظافة ، فهو التسيير الذي تقوم من خلاله الجماعات المحلية بإدارة مرفق من مرافق حماية البيئة" النظافة، تطهير المياه، المساحات الخضراء" مستعينة بأموالها وموظّفيها ومستعملة في ذلك وسائل القانون العام، فلا يملك المرفق العام استقلالية مالية ولا جهاز تسيير خاص به ولا شخصية معنوية مستقلة ويخضع للقانون العام .
وقد نصت المادة 151 من القانون البلدي على أنه يمكن للبلدية أن تستغّل مصالحها العمومية عن طريق الاستغلال المباشر ، كما أنّ قانون الولاية نصّ على إمكانية المجلس الشعبي الولائي أن يستغل مباشرة مصالحه العمومية عن طريق الاستغلال المباشر وهو الذي يحدد أي المجلس المرافق التي يقرر استغلالها عن طريق الاستغلال المباشر ، والتي من بينها المرافق الخاصة بحماية البيئة كالمساحات الخضراء ، النظافة والصحة العمومية و التي وردت في المادة 141 من القانون نفسه.
لكن ونظرا لتشعب مجال حماية البيئة وكثرة مرافقها جعل هذا النوع من التسيير " الاستغلال المباشر" عاجز أمام تزايد احتياجات المواطنين في الحصول على بيئة نظيفة ، كما أثقل كاهل الجماعات المحلية و بالتالي نقص الفعّالية والمردودية مما جعلها تلجأ إلى طريقة يبقى من خلالها المرفق يسيّر من طرف شخص عام وهي المؤسسات العمومية.
ثانيا: اسلوب المؤسسة العمومية
سعيا منها " الجماعات المحلية " إلى تحسين تسيير المرافق العامة وجعلها أكثر مردودية وفعّالية لإشباع حاجات المواطنين في جميع الميادين والمجالات بما فيها المجال البيئي عن طريق حماية البيئة والحفاظ عليها لجأت إلى الاعتماد على أسلوب المؤسسة العمومية.
هذا الأسلوب يعتبر وسيلة من وسائل إدارة المرفق العام سواء الوطني أو المحلي و أكثرها انتشارا، فالمؤسسة العمومية هي طريقة وسطى لتسيير المرفق العام بين التسيير المباشر La Régie وتفويض المرفق فهي شخص عمومي يقوم بنشاط متخصص وتعتبر كأداة اللامركزية التقنية " المرفقية" والسبب في اللجوء للمؤسسة العمومية هو البحث عن تحسين الخدمة العمومية بمنحها نوع من الاستقلالية القانونية و الإدارية و المالية ، هي شخص معنوي خاضع للقانون العام و هي مكلّفة بتسيير مرفق عام .
و قد نصّ القانون البلدي 11-10 على إمكانية البلدية إنشاء مؤسسات عمومية بلدية من أجل تسيير مصالحها والتي من بينها الحفاظ على البيئة من خلال إنشاء مؤسسات تسيير النظافة أو الاهتمام بالمساحات الخضراء و الغابات ، صرف المياه المستعملة ، و التي وردت كلها في المادة 149 من القانون نفسه، كما نصّت المادة 154 منه على أن تكون المؤسسات العمومية البلدية ذات طابع إداري أو ذات طابع صناعي وتجاري و تحدد قواعد تسيير و تنظيم المؤسسات العمومية البلدية عن طريق التنظيم .
كذلك جاء القانون الولائي 12-07 في نفس المسعى على إمكانية المجلس الشعبي الولائي أن ينشئ مؤسسات عمومية ولائية تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي قصد تسيير المصالح العمومية وتكون ذات طابع إداري أو ذات طابع صناعي تجاري حسب الهدف المرجوّ منها و تحدث بموجب مداولة من المجلس الشعبي الولائي ، و تكون في عدة مجالات منها النظافة و الصحة العمومية ، المساحات الخضراء .
الفرع الثاني: تفويض إدارة المرفق العام المحلي الخاص بحماية البيئة" تسيير غير مباشر
إنّ تحقيق الأهداف المنشودة و المتمثّلة في حماية البيئة يتطلب تحسين سير المرافق العامة المحلية، ومن أجل التحقيق الأفضل لهذه الفكرة بات من الضروري إعادة النظر في سياسة إدارة المرافق العامة المحلية الخاصة بحماية البيئة والتوجه نحو إيجاد طرق أنجع لتسييرها عن طريق تفويض إدارة هذه المرافق المحلية بهدف إشباع حاجات المواطنين في التمتع ببيئة نظيفة و تحقيق سعادتهم و طموحاتهم بعد أن أثبت التسيير الكلاسيكي للمرافق الخاصة بحماية البيئة من طرف الجماعات المحلية عجزه و ذلك لقلّة الكفاءات و نقص الموارد المالية و البشرية.
فتفويض المرفق العام المحلي الخاص بحماية البيئة هو العملية التي تسمح بتخلي أشخاص القانون العام عن الصلاحيات والمهام الضرورية لتسيير مرفق عام و استغلاله لأشخاص من القانون الخاص وبالتالي فهو عقد الذي من خلاله يحوّل شخص من القانون العام تسيير مرفق عام بكل مسؤولياته و بكل ما يحمله من أرباح و خسائر لشخص آخر بمقابل مالي متعلق مباشرة بنتائج استغلال المرفق .
وتفويض المرفق العام المحلي مصطلح واسع يضم عدة طرق " عقود" أهمها عقد الامتياز الذي يعتبر قلب التفويض و أهم صورة له ، وعقد الإيجار إلى آخره من عقود الإدارة و استغلال المعني وغيرها .
أولا: عقد الإمتياز
يعّرف إمتياز المرافق العمومية بأن تعهد الإدارة دولة ، الولاية ، البلدية إلى أحد الأفراد أو الشركات بإدارة مرفق عام و إستغلاله لمدّة معيّنة وذلك عن طريق عمال و أموال يقدّمها الملتزم على مسؤوليته في مقابل تقاضي رسوم من المنتفعين بهذا المرفق وهذا مقابل خدمات يقدّمها لهم في إحدى المجالات ومثال ذلك أعمال النظافة و تسيير النفايات و إزالتها و الخدمة العمومية للتطهير.
وقد نصّت المادة 149 من القانون الولائي على مثل هكذا عقود حيث ورد فيها أنه إذا تعذّر استغلال المصالح العمومية الولائية مثلا مصالح في حماية المساحات الخضراء ، النظافة و الصحة العمومية الواردة في المادة 141 و المادة 146 فإنه يمكن للمجلس الولائي الترخيص باستغلالها عن طريق الإمتياز طبقا للتنظيم المعمول به .
كما جاءت المادة 155 من القانون البلدي ناصّة على أنه يمكن المصالح العمومية البلدية المذكورة في المادة 149 أن تكون محل إمتياز طبقا للتنظيم الساري المفعول ، ومن بين هذه المصالح النفايات المنزلية، صرف المياه المستعملة، المساحات الخضراء.
غير أنّ ما يعاب على المشرّع الجزائري عدم تفريقه بين الإمتياز وتفويض المرافق العامة بالرغم من أنّ أغلب الفقه جعل من الإمتياز قلب تفويض المرافق و أهم صوره حيث نجد ذلك موّضحا في المادة 150 فقرة02 " يمكن تسيير هذه المصالح مباشرة في شكل استغلال مباشر أو في شكل مؤسسة عمومية بلدية عن طريق الامتياز أو التفويض .
ثانيا: عقد إيجار استغلال المرافق العامة المحلية الخاصة بحماية البيئة"L’affermage"
هو عقد بمقتضاه تفوّض هيئة عمومية لشخص آخر قد يكون عاما أو خاصا استغلال مرفق عام مع استبعاد قيام باستثمارات و يتمّ دفع المقابل المالي عن طريق إتاوات يدفعها المرتفقون ، متعلّقة مباشرة باستغلال المرفق ، ولم ينص قانون البلدية أو الولاية على مثل هكذا تسيير لا في المجال البيئي أو مجالات أخرى إلا أن هناك تعليمة لذلك 3.94/842 .
كما لم يتطرق المشرع الجزائري لكافة طرق أو عقود تفويض المرفق العام المحلي ولم يبينها باعتبارها أساليب حديثة في تسيير المرافق العامة حيث لم يذكر عقد إدارة المرفق المحلي ولا عقد مشاطرة الاستغلال" Régie Intéressée " ولا الاستغلال المختلط، بل ظلّ يعتمد في تفويض المرافق العامة المحلية الخاصة بحماية البيئة والمحافظة عليها على عقد الامتياز، وسوف نتناول بعض العقود الخاصة بالبيئة في "المطلب الثالث".
المطلب الثالث: العقود الاتفاقية لحماية البيئة
بالإضافة إلى الطابع التنظيمي الإنفرادي في إدارة البيئة و حمايتها و الذي تتولاّه الدولة والجماعات المحلية من خلال مختلف هيئاتهما تتّم إدارة البيئة أيضا وفق إطار تعاقدي بين الدولة بمختلف هيئاتها ومستوياتها من جهة و أشخاص القانون العام أو أشخاص القانون الخاص من جهة ثانية .
وتتجسّد إدارة البيئة وفق إطار تعاقدي من خلال عدد من العقود بعضها أوجد عن طريق التشريع كعقود التنمية التي تعتبر أداة تنفيذ سياسة التهيئة العمرانية أو عقود تسيير النفايات بين الإدارة و المؤسسات المرفقية، وإلى جانب هذه التطبيقات التي نصّ عليها القانون أوجدت عن طريق الممارسة عقود حسن الأداء البيئي .
إستكمالا للفكرة نفسها هناك إذن أساليب و آليات قانونية تعطي للإدارة المحلية سلطات واسعة في مجال حماية البيئة بواسطة التفاوض و التعاقد بعقود ذات طبيعة خاصة ، هذه العقود هي:
الفرع الأول: عقود التنمية
نصّت على هذا النوع من العقود المادة 59 من القانون 01-20 المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة حيث أشار المشرّع فيها إلى إمكانية إبرام عقود التنمية في إطار تنفيذ المخططات التوجيهية و مخططات التهيئة .
وقد عرّف المشرّع الجزائري عقد التنمية على أنه إتفاقية تشترك فيها الدولة و مجموعة أو عدّة مجموعات إقليمية أو متعامل أو عدّة متعاملين أو شريك أو شركاء اقتصاديين للقيام بأعمال و برامج تحدد إنطلاقا من المخططات التوجيهية و خطط التهيئة لمدّة معيّنة .
فنستشف من هذه المادة أن عقد التنمية هو إتفاق يشتمل أو يتضمّن طرفين ، الطرف الأول يتمثّل في الدولة بمفهوم السلطة المركزية أو في الجماعات المحلية كالولاية و البلدية في حين يتمثّل الطرف الثاني في المتعاملين الاقتصاديين والهدف من هذه العقود هو تنفيذ أعمال منصوص عليها في المخططات التوجيهية وخطط التهيئة في إطار زمني معيّن ، و أحالت المادة 60 إلى التنظيم شروط إعداد أنواع العقود الخاصة بالتنمية ، غير أنه لم يصدر إلى حد الآن ، ممّا يجعل التعرّف على إسهامات هذا النوع من العقود في حماية البيئة غير واضح بشكل دقيق نظرا لحداثة هذه العقود و عدم وجود ممارسات سابقة شبيهة .
وبناءا على المعيار العضوي الذي تظهر فيه الدولة أو الجماعات المحلية ، كالولاية أو البلدية كأحد أطراف عقود التنمية يمكن تكييف هذا الأخير على أنه عقد إداري ، إلا أنّ هذا المعيار ليس كافيا في كل الحالات لتكييف العقد بأنه إداري إذ يمكن أن تخضع بعض العقود التي تبرمها الإدارة للقانون الخاص ، الأمر الذي يقودنا للبحث في موضوع هذا العقد ، فبالعودة للمادة 59 من القانون 01-20 السابق نجد أن موضوع العقد يتعلق بتنفيذ التوجيهات التي تنصّ عليها المخططات التوجيهية و خطط التهيئة العمرانية
وهو بذلك يهدف إلى تحقيق منفعة عامة ومنه فإن مضمون عقد التنمية يتعلق بتنفيذ مرفق عام لحماية البيئة .
وعليه فإنّ عقد التنمية يعدّ عقدا إداريا محضا يخضع لإختصاص القاضي الإداري .
الفرع الثاني: عقود تسيير النفايات
أشار المشرّع الجزائري في القانون 01-19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها بأنّ الدولة تمنح إمتيازات و إجراءات تحفيزية قصد تشجيع تطوير نشاطات جمع النفايات و فرزها و نقلها و تثمينها وإزالتها حسب الكيفيات التي يحددها التنظيم .
وفي هذا الإطار يمكن للبلدية حسب دفتر نموذجي أن تسند تسيير كل النفايات المنزلية وما شابهها أو جزء منها وكذلك النفايات الضخمة و النفايات الخاصة الناتجة بكمياّت قليلة عن الأشغال المنزلية إلى أشخاص طبيعيين أو معنويين خاضعين للقانون العام أو القانون الخاص طبقا للتشريع المعمول به الذي يحكم الجماعات المحلية .
ولجأ المشرّع في اعتماده طريقة التعاقد في تسيير النفايات إلى توجيهات البرنامج الوطني للتسيير المندمج للنفايات الحضرية الصلبة للمدن الكبرى 2002-2004 و الذي أشار بأنّ التسيير المباشر من قبل البلديات أظهر في مختلف دول العالم عجز هذا الأسلوب وهو غير مجدي في الجزائر، ونصّ على ضرورة إسراع السلطات العامة في الجزائر إلى التخلّي عن المرفق العام لتسيير النفايات وتحويله للإستثمار الخاص وعقود الامتياز .
لتكييف عقود تسيير النفايات نستعمل المعيار العضوي لنجد أن أحد أطراف العقد هو شخص ينتمي إلى القانون العام ويفرض دفتر شروط خاص، وبالنظر إلى المعيار الموضوعي نجد أن جوهر العقد ينصبّ على تسيير مرفق عام يتعلّق بتسيير النفايات من خلال عملية جمعها ومعالجتها، وبذلك فإنّ عقد تسيير النفايات المنزلية هو عقد امتياز مرفق عام وهو عقد إداري محض، ويخضع لإختصاص القاضي الإداري .
ولأنّ عقود تسيير النفايات تندرج في إطار عقود إمتياز المرافق العامة فإنّ المتعاقد سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا الحق في التحصيل الضريبي و الرسوم ، وزيادة على ذلك يمكن الإستفادة من الحوافز التي تمنحها الدولة لدعم وتطوير نشاطات جمع النفايات وفرزها ونقلها وتثمينها وإزالتها حسب الكيفيات التي يحددها التنظيم .
هذا وتتضمّن مجمل الخدمات الخاصة بتسيير النفايات والتي تقع على عاتق المتعاقد في وضع نظام لفرز النفايات المنزلية وما شابهها بغرض تثمينها، وكذا تنظيم جمع النفايات الخاصة الناتجة بكميات قليلة عن الأشغال المنزلية والنفايات الضخمة وجثث الحيوانات ومنتوجات تنظيف الطرق العمومية والساحات والأسواق بشكل منفصل ونقلها ومعالجتها بطريقة ملائمة، بالإضافة إلى وضع جهاز دائم لإعلام السكان وتحسيسهم بآثار النفايات المضرة بالصحة العمومية و بالبيئة و التدابير الرامية للوقاية من هذه الآثار .
وعلى الرغم من أنّ عقود تسيير النفايات جاء كبديل للأسلوب السابق في تسيير النفايات والذي كان يلقي عبؤها على الجماعات المحلية بمفردها، فإنّ الإلتزام القانوني بتفادي إنتاج النفايات بأقصى قدر ممكن وتثمينها وإزالتها بحسب القدرة وبطريقة عقلانية تقع على كل منتج أو حائزا للنفايات .
الفرع الثالث: عقود حسن الأداء البيئي
يرتكز مفهوم حسن الأداء البيئي على مدى فعّالية أداء المؤسسات من الناحية البيئية ولا يقتصر ذلك على كيفية التعامل مع مشاكل التلوث أو المخلفات الخطيرة أو الإنبعاثات الضارة في الهواء ، ولكّن يمتد ليشمل كل جوانب الأداء البيئي مثل مدى التوافق مع التشريعات البيئية المعمول بها ، ومدى إنسجام تقنيات و أساليب تحسين كفاءة استخدام موارد الطاقة و المياه و كيفية استخدام تحليل دورة حياة المنتجات من أجل تصميمها بشكل يراعي اعتبارات حماية البيئة .
فعقود حسن الأداء البيئي تعتبر في الوقت الراهن من الأساليب الحديثة لإنجاح و تحقيق أهداف السياسة البيئية، ويعتبره الفقه أكثر فعّالية من الوسيلة التنظيمية لأن هذه الأداة تضمن تجنيدا أكبر لمشاركة الملوّثين في تنفيذ السياسة البيئية بسبب الإمتثال الطوعي للأحكام التنظيمية المتضّمنة في عقد حسن الأداء البيئي مقابل إستفادتهم من إعانات مختلفة تقدمها الدولة ويعود سبب نجاح هذا الأسلوب التعاقدي إلى إقتناع الملوثّين بأنهم إن لم يمتثلوا طواعية ومع استفادتهم من الإعانات، فإنّ الإدارة ستلزمهم بتطبيق التدابير الحمائية للبيئة بلجوئها للأسلوب الإنفرادي و بدون مقابل و لذلك يميل المتعاقدون الملوّثون للتجاوب مع هذا الإجراء الإتفاقي أكثر من الإستجابة للإجراء التنظيمي الإنفرادي .
وإقرارا منها بأهمية هذا الأسلوب الاتفاقي في إنجاح السياسة البيئية ، ومع تراكم تبعات التلوث وغياب الرقابة البيئية على المنشآت المصنّفة خلال الثلاث عشريات الماضية ركزت وزارة تهيئة الإقليم والبيئة على النشاطات الاتفاقية والتشاورية في تطبيقها للأحكام المتعلقة بالمنشآت المصنّفة عوض اللجوء إلى التدابير الانفرادية .
أولا: الأساس القانوني لعقود حسن الأداء البيئي
بسبب حداثة النشاطات الاتفاقية باعتبارها أسلوبا لا يزال في مراحله الجنينية في النظام القانوني الجزائري ، اذ لم تكتمل بعض تطبيقاته التشريعية "عقود تسيير النفايات ومعالجة المياه"، كما لم تتضح معالم بعض الممارسات التي لجأت إليها وزارة تهيئة الإقليم من خلال عقود حسن الأداء البيئي ومواثيق الشراكة مع الملوّثين ، وبالعودة إلى النصوص القانونية ذات الصلة خاصة القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة و كذا المرسوم التنفيذي 06-198 المتعلق بالقواعد المطبقة على المنشآت المصنفة لا نجدها تتضمن أي اشارة لهذا النوع من العقود.
وبالتالي فعقود حسن الأداء البيئي لا تستمد وجودها من إطار قانوني معينّ و إنمّا من التجربة الميدانية للإدارة البيئية في إطار دورها لتحقيق سياسة حمائية فعّالة للبيئة .
ثانيا: الطبيعة القانونية لعقود حسن الأداء البيئي
نتيجة للغموض القانوني الذي يعتري عقود حسن الأداء البيئي ، فإنّ محاولة تكييفها لا تعدو أن تكون مجردا اجتهاد نظري ، فبالنظر إلى أن أحد الأطراف العلاقة التعاقدية شخص ينتمي إلى القانون العام وتطبيقا للمعيار العضوي يمكن القول مبدئيا أن عقود حسن الأداء البيئي هي عقود إدارية ، إلا أن هذا التكييف غير دقيق بحكم وجود عنصر الدعم المالي أو التقني كالتزام جوهري يقع على عاتق الإدارة في هذا العقد ، وهو أمر يتنافى و يتعارض مع فكرة العقود الإدارية أو الصفقات العمومية التي تفرض أن الاستحقاقات المالية مهما كانت طبيعتها تستوجب أداء عمل للإدارة ذلك أن نظام الدعم المالي المقدم للمتعاقدين مع الإدارة نجده شائعا في العقود الاقتصادية و التي لا تعتبر عقودا إدارية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى نجد أن العقد الإداري إستقرت أحكامه على وجود شروط استثنائية غير مألوفة، وهو ما لا يوجد في عقود حسن الأداء البيئي .
ونتيجة لكل ما تقدّم يتضح بأن هذه العقود ليست عقودا إدارية وهي بذلك تخرج عن إختصاص القضاء الإداري، كما أنه لا يمكن إعتبارها عقودا تخضع للقانون الخاص لأنّ طبيعة الجزاءات المتعلقة بعدم تنفيذ الالتزامات الاتفاقية في القانون المدني والمتمثلة في البطلان أو الفسخ أو التعويض، لا تحقق فعّالية في صيانة البيئة والمحافظة عليها، ولهذا تخضع هذه العقود إلى منطق قانوني مختلف سواء من حيث القوة الإلزامية ، والتي تستمدها كما يرى الفقه من تبادل المنافع و المصالح بين المتعاقدين أو من حيث الطبيعة القانونية التي تتمتع بها وبحكم أنها عقود لا تخضع إلى أصناف العقود المعروفة في القانون العام أو الخاص ، فإنها تصنّف ضمن جيل النشاطات الاتفاقية والتي إعتبرتها الأستاذة شيخاوي بأنها عقود إدارية غير مسماة أو أنها عقود تقع في حدود المشروعية بسبب عدم وضوح نظامها القانوني .
هذا لا يمنع القاضي الإداري من فحص مدى نجاح الإدارة في إختيار الأداة الملائمة لتنفيذ السياسة البيئية، فعلى الرغم من خروج هذا النوع العقود من نطاق رقابة القضاء الإداري إلا أنّ الإدارة لا تملك الحرية المطلقة في اللجوء إلى مثل هذا الأسلوب الاتفاقي مع الملوث، إذ ما تطلب القانون اتخاذ تدابير ضبطية إنفرادية من قبلها لمواجهة المشاكل البيئية، حيث يتعين عليها الالتزام بإستعمال صلاحياتها الضبطية عندما ينص على ذلك القانون بشكل صريح .
ثالثا: آثار عقود حسن الأداء البيئي
يترتب على عقود حسن الأداء البيئي أثرين أساسيين هما الأول تقديم الدعم من طرف الإدارة للملوّث المتعاقد والثاني مراقبة ومتابعة صاحب المنشأة من طرف الإدارة .
1. تقديم الدعم من طرف الإدارة للملوث المتعاقد: تقوم الإدارة بتقديم الدعم المادي و التقني للملوث المتعاقد بالتناسب مع درجة التزامه بالأحكام الاتفاقية المتعلقة بتخفيض نسب التلّوث ضمن الآجال المحددة في العقد، فإمّا أن يحصل على الدعم المتفق عليه كاملا إذا تبين بعد المراقبة أنه نفّذ جميع التزاماته ، وإماّ أن تلجأ الإدارة إلى تخفيض الدعم أو وقفه ومن ثم ّ تلجأ إلى الأسلوب الانفرادي الردعي .
ولأن الهدف من الدعم المالي و التقني في إطار هذا العقد هو تخفيض التلوث، فإن ّ الإخفاق في تحقيق هذا الأخير يعتبر إهدارا و تبديدا للمال العام و إثراء غير مشروع للملوثين ، لذلك ينبغي أن تكون هناك آليات واضحة تضمن فعالية هذا الدعم أو استعادته في حالة عدم تحقيق النتائج المطلوبة .
وعلى الرغم من إعتبار الفقه أنّ الدعم الذي يحصل عليه الملّوثون من خلال عقود حسن الأداء يعدّ خرقا لمبدأ الملوث الدافع إلا أنّ هذا الدعم يعتبر من الناحية الواقعية لازما لتفادي الصدمة الاقتصادية بالنسبة للملوثين في حالة تطبيق التدابير البيئية بصرامة ، كما أنّ هذا الدعم مؤقت و مرحلي يهدف إلى إعادة الملوث طواعية إلى الإمتثال للأحكام البيئية .
2. متابعة ومراقبة التزامات صاحب المنشأة من قبل الإدارة: يتم فحص تقدّم الأحكام المتعلقة بالعقد من خلال لقاءات دورية تنعقد مرة واحدة على الأقل في السنة ، ويتم تحديد رزنامة الدورات بإتفاق الطرفين، وفي حالة عدم إمتثال المنشأة المتعاقد معها للأحكام الاتفاقية تلجأ الإدارة إلى إنهاء العقد ووقف المساعدات المالية و التقنية و قطع المهل الممنوحة للمنشأة للإمتثال للأحكام القانونية، وإضافة إلى ذلك تلجأ للأسلوب الانفرادي كاتخاذ إجراء الإعذار أو الوقف المؤقت أو النهائي أو الأمر بإعادة الحال إلى ما كان عليه أو اللجوء إلى القضاء المدني أو الجزائي .
رابعا : تقييم عقود حسن الأداء البيئي
يعتبر عقد حسن الأداء البيئي في الوقت الراهن من بين الأساليب الحديثة لإنجاح و تحقيق أهداف السياسة البيئية، ويعتبره الفقه أكثر فعّالية من الوسيلة التنظيمية لأن هذه الأداة تضمن تجنيدا أكبر لمشاركة الملوثين في تنفيذ السياسة البيئية بسبب الإمتثال الطوعي للأحكام التنظيمية المتضمنة في عقد حسن الأداء البيئي مقابل إستفادتهم من إعانات مختلفة تقدمها الدولة .
ويرجع سبب نجاح هذا الأسلوب التعاقدي إلى اقتناع الملوثين بأنهم إن لم يمتثلوا طواعية و مع استفادتهم من الإعانات فإنّ الإدارة والجماعات المحلية ستلزمهم بتطبيق التدابير الحمائية للبيئة بلجوئها إلى الأسلوب الانفرادي وبدون مقابل، ولذلك يميل المتعاقدون الملوثون إلى التجاوب مع هذا الإجراء الإتفاقي أكثر من الإستجابة للإجراء التنظيمي الانفرادي .
الفرع الرابع: التعاقد في مجال معالجة المياه و تطويرها
يشكّل التزوّد بالماء الشروب و الصناعي و التطهير خدمات عمومية و كأصل عام و بحسب المادة 101 من القانون 05-12 المذكور سابقا ، تعتبر الخدمات العمومية للمياه من إختصاص الدولة و البلديات غير أنه يمكن للدولة منح امتياز تسيير الخدمات العمومية لأشخاص معنويين خاضعين للقانون العام على أساس دفتر شروط و نظام خدمة يصادق عليهما عن طريق التنظيم ، كما يمكنهما تفويض كل أو جزء من تسيير هذه الخدمات لأشخاص معنويين خاضعين للقانون العام أو القانون الخاص بموجب إتفاقية .
ويمكن للبلدية أيضا استغلال الخدمات العمومية للمياه عن طريق الاستغلال المباشر الذي يتمتع بالاستقلالية المالية أو عن طريق منح إمتياز تسيير هذه الخدمات لأشخاص معنويين خاضعين للقانون العام .
كما يكلّف صاحب امتياز الخدمة العمومية للماء أو التطهير في إطار الحدود الإقليمية للامتياز باستغلال المنشآت والهياكل التابعة للهياكل العمومية الاصطناعية للماء و صيانتها و تجديدها و إعادة تأهيلها وتطويرها حيث تسمح حسب الحالة بضمان ما يأتي:
- إنتاج الماء انطلاقا من منشآت الحشد والتحويل ومعالجة الماء الموجه للاستعمال المنزلي والصناعي وتوصيله وتخزينه وتوزيعه؛
- جمع المياه القذرة وصرفها وتطهيرها و كذا معالجة الأوحال الناجمة عن التطهير لإزالتها النهائية .
كما يكلف صاحب الإمتياز كذلك بالاستغلال التجاري للامتياز عن طريق ادخال مجموع عمليات الفوترة وتحصيل المبالغ المستحقة على مستعملي الخدمة العمومية للمياه أو التطهير طبقا لنظام التسعيرة .
وفي مجال تسيير الخدمة العمومية المتعلقة بالتزويد بالماء الشروب و التطهير الصناعي تعدّ كل من مؤسسة الجزائرية للمياه" ADE" والديوان الوطني للتطهير ONAأهم الشركاء في هذا المجال.
بالنظر الى المعيار العضوي نجد أن الديوان الوطني للتطهير والجزائرية للمياه يعتبران مؤسسة عمومية ذات طابع إقتصادي وتجاري ، كما تخضع كل منهما في علاقتهما مع الدولة إلى القواعد الإدارية و يعدّان تاجرين في علاقتهما مع الغير ، وبالنظر إلى المعيار الموضوعي يضمن الديوان تسيير امتياز الخدمة العمومية للتطهير الممنوح للأشخاص المعنويين العموميين والخواص وفق إتفاقية تفويض الخدمة العمومية تبرم على أساس دفتر الشروط العامة المنصوص عليها ، كما تتولى الشركة الجزائرية للمياه تسيير الخدمة العمومية للمياه بنفس الطريقة .
ويتداول مجلس التوجه و المراقبة للشركة الجزائرية للمياه في عدّة أشغال من بينها الاتفاقية المبرمة بين المؤسسة و الدولة و/أو الجماعات المحلية من أجل التكفل بتبعات الخدمة العمومية .
كما يكلف الديوان في إطار السياسة الوطنية للتنمية بضمان المحافظة على المحيط المائي على كامل التراب الوطني وتنفيذ السياسة الوطنية للتطهير بالتشاور مع الجماعات المحلية و يكلف بهذه الصفة عن طريق التفويض بالتحكم في الإنجاز والأشغال وكذا استغلال منشآت التطهير الأساسية التابعة لمجال اختصاصه ، ويكلف بإنجاز بعض من برامجه عن طريق المناولة أو الامتياز أو التسيير أو بأي شكل آخر من أشكال الشراكة و بالتالي فسير الخدمة العمومية للماء على مستوى الولاية والبلدية يجب أن يكون موضوع تشاور مع الجماعات المحلية .
ومنه يمكن القول أن المرفق العام المحلي هو وسيلة في يدّ الجماعات المحلية في حماية البيئة من خلال إدارة و تسيير المرافق الخاصة بالبيئة إدارة فعّالة و عالية تعمل على السعي دوما إلى إشباع الحاجات العامة لسكان الإقليم و العمل على كل ما من شأنه تحقيق سعادتهم بالتمتّع ببيئة نظيفة، ولا يتحقق ذلك إلاّ بالأخذ في الحسبان سرعة ومدى تكيّف الجماعات المحلية مع الإصلاحات الجارية والاهتمام الوطني والمحلي بالبيئة و اكتسابها لميكانزمات جديدة تمكّنها من تقديم خدمات ذات نوعية عالية في مجال البيئة وذلك عن طريق مساهمتها الفعّالة في ردّ الاعتبار للمرفق العام المحلي الخاص بالبيئة و فتح المجال للأفراد وأشخاص القانون الخاص للتعاقد معها في هذا المجال بالذات لتحسين سير المرافق العامة المحلية البيئية .
وسائل تدخل الجماعات المحلية في مجال حماية البيئة
لقد سخّر المشرع الجزائري و جعل بين أيدي الجماعات المحلية مجموعة من الوسائل و الآليات القانونية للقيام بمهامها في مجال حماية البيئة ، و تكون لها سند في الرقابة على الأعمال و مدى تطبيق القوانين ، و هذا بعدما تيقّن - المشرع الجزائري - أنه وبرغم إسهام التشريعات البيئية في إتاحة المجال للجماعات المحلية لأداء دورها إلا أنه رأى بأن القوانين وحدها غير كافية للحد من ظاهرة التعسف على البيئة وأنه لابّد من إيجاد مجموعة من الوسائل لكي تمدّ يد العون للقوانين وتساهم في حماية البيئة للوصول إلى محيط و بيئة نظيفة خالية من جميع أشكال التلوث.
هذه الوسائل تختلف حسب طبيعة المهمة المراد تحقيقها فقد تتدخل بصفة إنفرادية حسب سلطات وصلاحيات الضبط الإداري المخوّلة لها قانونا " المبحث الأول" و يأخذ هنا التدخل شكل القرار الإداري مثل الرخص .
وقد تعتمد الجماعات المحلية أسلوب التخطيط أي وضع مخططات طويلة أو متوسطة أو قصيرة المدى لحماية البيئة " المبحث الثاني" ، كما يمكن أن يأخذ التدخل شكل الإتفاق بين الإدارة المحلية و المتعاقدين الخواص - أصحاب المؤسسات الخاصة التي تنشط في مجال حماية البيئة - من خلال إشراكها في تحقيق مشاريع مرتبطة بمشاكل البيئة و كذا تسييرها للمرافق العامة التي لها علاقة بحماية البيئة " المبحث الثالث".
المبحث الأول : الضبط الإداري البيئي
إعترفت النصوص القانونية في الجزائر للهيئات المحلية " الولاية، البلدية" بصلاحيات ضبطية في مجال حماية البيئة و تتوزع تلك الصلاحيات و تتناثر بين النصوص العامة كما هو الحال بالنسبة لقانوني البلدية و الولاية و قانون حماية البيئة نفسه من جهة ، و النصوص الخاصة بحماية مجالات معينة لها علاقة مباشرة بالبيئة من جهة أخرى .
فالضبط الإداري يعتبر أفضل الوسائل و الأدوات التي بحوزة الإدارة في تنفيذ و تجسيد حماية البيئة من أخطار التلوث ، لاسيما أن مهام الضبط الإداري ذات طابع وقائي بإعتبارها تهدف إلى المحافظة على النظام العام، بإتخاذ ما يلزم من تدابير و إجراءات لتفادي المساس به في مختلف عناصره ، وهذا ما يتطابق و ينسجم مع أهم مبادئ استراتيجية حماية البيئة التي تقوم على مبدأ الوقاية ، وعلى ذلك فالضبط الإداري " البيئي" يؤدي دورا كبيرا في حماية البيئة .
يستوقفنا كل هذا للبحث عن مفهوم الضبط الإداري البيئي" المطلب الأول" من خلال تعريفه و بيان غرضه و خصائصه ثم التطرق إلى الإجراءات الإدارية القبلية لحماية البيئة " المطلب الثاني " و نعرج على الإجراءات الإدارية البعدية لحماية البيئة " المطلب الثالث " و في الأخير عن مشاكل و معوقات ممارسة الضبط الإداري المحلي" المطلب الرابع"
المطلب الأول: مفهوم الضبط الإداري البيئي
من المؤكد أنه في مجال البيئة توجد لوائح ضبطية تهدف لحظر و مراقبة الأنشطة البشرية المزعجة للوسط الطبيعي، و مثل جميع القواعد الضبطية يجب أن تتوافق قانوناً مع ضرورات ضمان أهداف النظام العام المتمثلة تقليديا في الأمن العام و السكينة العامة و الصحة العامة .
فقد بات من الثابت لدى الباحثين و المهتمين بشؤون البيئة مدى الإرتباط الوثيق بين أهداف الضبط الإداري و أغراض حماية البيئة، بل يكون أكثر وضوحا على الصعيد العملي أو الميداني، لأن تدخّل الهيئات الإدارية بممارسة صلاحيات سلطات الضبط الإداري التيّ خوّلها لها القانون لأجل حفظ النظام العام داخل المجتمع سيؤدي حتما إلى تحقيق مقصد من مقاصد البيئة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر .
وعموما يمكن للشواغل البيئية أن تندرج بسهولة ضمن الأهداف التقليدية ، ومع مراعاة تعدد و تزايد الضبط المختص في مجال التلوث و حماية الطبيعة أثير التساؤل عما إذا كانت لا تتوافق مع ضبط إداري واحد متخصص في النظام الإيكولوجي ، حيث أن ذلك يحوي ميزة واحدة على الأقل من الناحية النظرية تتمثل في جمع النصوص المتناثرة في مجال البيئة و إعطائها أساسا مشتركا ، فكل هذه القواعد تهدف إلى ردع الإنسان لإحترام القوانين البيولوجية و التوازن الإيكولوجي العام .
كما أن مضمون النظام العام يتنوع حسب معتقدات و إحتياجات المجتمع فهو تعبير عن التوافق ، ويمكن أن نعتبر أنه و منذ تطبيق سياسة بيئية و الإعتراف بالمصلحة العامة لهذه السياسة فإننا نشهد ظهور نظام عام جديد يهدف إلى حماية البيئة .
وهذا ما عجّل بظهور القانون الإداري البيئي كفرع حديث للقانون الإداري بإعتبار أن الإدارة أصبحت صاحبة الإختصاص الأصيل في مجال المحافظة على البيئة ، و تسخير سلطاتها لتجسيد السلطة الوقائية المتمثلة في الضبط الإداري البيئي .
الفرع الأول: تعريف الضبط الإداري البيئي
لمّا كان المراد بالضبط الإداري مجموعة قواعد تفرضها السلطة العامة على الأفراد بمناسبة ممارستهم لنشاط معين بقصد صيانة النظام و تنظيم المجتمع تنظيما وقائيا ، أو الأعمال و الإجراءات و الأساليب القانونية و المادية و الفنية التي تقوم بها السلطات الإدارية المختصة ، وذلك بهدف ضمان المحافظة على النظام العام بطريقة وقائية في نطاق النظام القانوني للحقوق و الحريات السائدة في الدولة فإن الضبط الإداري البيئي هو مجموعة الإجراءات و القيود التي تفرضها الإدارة على الأشخاص من أجل الحفاظ على البيئة ، فهو إذن وسيلة تجسّد الحماية الوقائية للبيئة ببذل التدابير المناسبة لصيانة المجالات المحمية وفقا لقانون البيئة ،
فقد عددّت المادة 31 من قانون البيئة 03-10 تلك المجالات وهي " المحمية الطبيعية ، الحدائق الوطنية ، المعالم الطبيعية ،مجالات تسيير المواضيع و السلالات ، المناظر الأرضية و البحرية المحمية ، المجالات المحمية للمصادر الطبيعية الميسّرة ، كما أسس القانون مجموعة من المقتضيات الرئيسية لحماية البيئة و تتمثل في التنوع البيولوجي و الهواء و الماء و الجو و الأوساط المائية ، الأرض و باطن الأرض، الأوساط الصحراوية و الإطار المعيشي .
كما حدّد المشرع في قانون حماية البيئة و قوانين قطاعية أخرى مختلف الأفعال التي تشكل إضرارا أو خطرا عليها وكمثال ذلك حدّدت المادة 44 من هذا القانون صور التلوث المهدد للهواء و الجو الناجمة عن المواد التي من شأنها تشكيل خطر على الصحة البشرية ، التأثير على المتغيّرات المناخية........إلخ .
ولتضمن الدولة حراسة مختلف مكونات البيئة ، يجب عليها في هذا الإطار أن تضبط القيم القصوى ومستوى الإنذار و أهداف النوعية ، لاسيما فيما تعلق بالهواء و الماء و الأرض و باطن الأرض و كذا إجراءات حراسة هذه الأوساط المستقبلية ، و التدابير التي يجب إتخاذها في حالة وضعية خاصة ، وأحال المشرع تطبيق ذلك للتنظيم .
الفرع الثاني: غرض الضبط الإداري البيئي
بما أن الضبط الإداري مجموعة قيود صادرة عن سلطة عامة الهدف منه المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة ، الأمن العام ، الصحة العامة و السكينة العامة ، فلاشكّ أن غرض الضبط الإداري البيئي لا يخرج عن غرض الضبط الإداري بوجه عام غير أنه متميّز سواء من حيث تحقيق الأمن البيئي أو الصحة البيئية أو السكينة البيئية .
أولا: الأمن البيئي العام
المقصود بالأمن العام إستتباب الأمن و النظام في المدن و القرى و الأحياء بما يحقق الإطمئنان لدى الجمهور على أنفسهم و أولادهم و أغراضهم و أموالهم من كل خطر قد يكونون عرضة له فهو ضرورة أن توفر الدولة للأفراد الطمأنينة على أنفسهم و أموالهم وأغراضهم من خطر الإعتداء سواء أكان مصدره الطبيعة كالفيضانات و البراكين و الزلازل و الحرائق أو كان مصدره الإنسان كما في حالة الإشعاعات النووية ، أم كان مصدره الحيوان هروب حيوان مفترس و تواجده بين الناس أم كان مصدره الأشياء كإنهيار المنازل على المارة .
ومنه فإن الأمن البيئي العام ضرورة توفّرها الدولة للأفراد من خلال حماية بيئتهم ممّا يمسّها بفعل الإنسان أو بنازلة من الطبيعة.
ثانيا: الصحة البيئية العامة
المقصود بها حماية الأفراد ووقايتهم من خطر إنتشار الأمراض المعدية و نظافة الأغذية وصلاحية المياه عن طريق إتخاذ التدابير الوقائية التي من شأنها منع حدوث ذلك
فالصحة البيئية العامة لا تشمل صحة الإنسان فقط بل تتعدّى لتشمل صحة الحيوان و النبات بالإضافة إلى الأنظمة الخاصة بالحماية كحماية المياه العذبة و حماية البحر و حماية الأوساط الصحراوية وحماية الأرض و باطنها و حماية الإطار المعيشي و الحماية من المواد الكيميائية و الإشعاع ،و التي تؤثّر على صحة الكائنات الحية " إنسان ، حيوان" و الكائنات غير الحية " نبات" ، كما يجسّد الصحة البيئية العامة بمفهومها الواسع.
كما ألزم المشرع كل شخص طبيعي أو معنوي بحوزته معلومات متعلقة بالعناصر البيئية التي يمكنها التأثير بصفة مباشرة أو غير مباشرة على الصحة العمومية تبليغ هذه المعلومات إلى السلطات المحلية أو السلطات المكلفة بالبيئة ، فتلوث البيئة بصوره المختلفة يعتبر أهم العوامل التي تضر بصحة الإنسان وتصيبه بالأمراض لذلك فمكافحة التلوّث تؤدي إلى المحافظة على الصحة العامة .
ثالثا : السكينة البيئية العامة
السكينة العامة مقصد من مقاصد الضبط الإداري و تعني المحافظة على هدوء و سكون الطرق والأماكن العامة لوقاية الناس من الضوضاء والإزعاج والصخب والمضايقات السمعية خاصة في أوقات راحتهم من ذلك مكبرات الصوت و آلات التنبيه في السيارات و أصوات الباعة المتجوّلين ..........إلخ فالهيئات الإدارية التي تملك سلطات الضبط تتخذ الإجراءات التي توفر للسكان و الجمهور الطمأنينة والراحة و الهدوء .
أما السكينة البيئية العامة فهي عدم مضايقة الأفراد فيما تعلق بالبيئة المشتركة ، وقد تبنّى قانون البيئة القديم 03-83 ذلك من خلال التدابير الواجب إتخاذها قصد تفادي إفراز الصخب الذّيّ من شأنه أن يزعج السكان أو يضرّ بصحتهم .
كما أقّر قانون البيئة الجديد03-10 ذلك في الفصل الثاني من الباب الرابع حيث ضمّن السكينة العامة البيئية ضمن مقتضيات الحماية من الأضرار السمعية للحدّ و الوقاية من إنبعاث و إنتشار الأصوات أو الذبذبات و إنتقال الضوضاء التي قد تشكّل أخطارا تضّر بصحة الإنسان أو تمسّ بالبيئة .
الفرع الثالث: خصائص الضبط الإداري البيئي
الضبط الإداري البيئي مثله مثل الضبط الإداري يتمتّع بجملة من الخصائص تميّزه عن غيره من نشاطات الإدارة الأخرى حيث يمكن حصرها في:
أولا : الصفة الإنفرادية
إنّ الضبط الإداري في جميع الحالات إجراء تباشره السلطة الإدارية بمفردها و تستهدف من خلاله المحافظة على النظام و ما على الفرد إلا الخضوع و الإمتثال لجملة الإجراءات التي فرضتها الإدارة وهذا طبعا وفق ما يحدده القانون .
والضبط الإداري البيئي لا يخرج عن هذه الخاصية حيث أعطى المشرع الجزائري للإدارة سلطة الضبط في مراقبة التوازن البيئي وذلك بمنحها وسائل التدخّل عن طريق إستعمال إمتيازات السلطة العامة ، فمثلا تلجأ الإدارة إلى وسيلة الحظر لمنع إتيان بعض التصرفات بسبب الخطورة التي تنجم عن ممارستها عن طريق إصدار قرارات إدارية ، فهو يعتبر من الأعمال الإدارية الإنفرادية " مثلا حظر ممارسة نشاط يضر بالبيئة " .
ثانيا: الصفة الوقائية
يتميّز الضبط الإداري بالطابع الوقائي فهو يدرأ المخاطر عن الأفراد و خاصية الوقائية هي المبدأ الأساسي للضبط الإداري البيئي ، فالإدارة مثلا عندما تفرض تراخيص وإعتماد لممارسة بعض الأنشطة التجارية " إستغلال المناجم أو المحاجر" فإن ذلك بغرض حماية أمن الأشخاص ووقايتهم من كل خطر قد يلحق بهم و يكون ناتجا عن هذا الإستغلال ، فالحكمة تكمن من وراء فرض نظام الترخيص في تمكين سلطات الضبط الإداري من التدّخل مقدما في الأنشطة الفردية و اتخاذ الاحتياطات اللازمة لوقاية المجتمع من الأخطار التي قد تنجم عن ممارسة النشاط الفردي بشكل غير آمن و الذّيّ يقدّر المشرع خطورته على البيئة .
ثالثا: الصفة التقديرية
المقصود بها أن للإدارة سلطة تقديرية في ممارسة الإجراءات الضبطية ، أي عندما تقدّر السلطات الإدارية أن عملا ما سينتج عنه خطر يتعين عليها التدخّل قبل وقوعه بغرض المحافظة على النظام العام يقابله مبدأ الحيطة في المبادئ العامة لحماية البيئة ، فالضبط الإداري البيئي يتميّز بخاصية الحيطة وتقدير المخاطر، فعدم توفّر التقنيات لا يجب أن يكون سببا في تأخير إتخاذ التدابير الفعلية و المتناسبة للوقاية من خطر الأضرار الجسيمة المضرة بالبيئة ،كما أن السلطة الإدارية إن قدّرت عدم منح رخصة لنشاط معين فإنها لا شكّ رأت أن هناك مخاطر تنتج عن هذا النشاط .
المطلب الثاني: الإجراءات الإدارية القبلية لحماية البيئة
إنتهج المشرع الجزائري في وضعه للقواعد القانونية المتعلقة بالحماية الإدارية للبيئة الطابع الإزدواجي في الصياغة ، فهو يحدد الإجراءات الوقائية التي تحول دون وقوع الإعتداء على البيئة من جهة ،و من جهة أخرى يحدد الجزاءات الإدارية المترتبة عن مخالفتها، و حين نتكلم عن الإجراءات الوقائية التي يضعها المشرع بصفة عامة فإننا نقصد بذلك تلك القواعد القانونية التي تمنع وقوع السلوك المخالف لإرادة المشرّع و هي تعّد بذلك بمثابة الوقاية السابقة المخّولة لسلطات الضبط الإداري لضبط كافة الإعتداءات التي تنتهك القواعد القانونية .
وقد وضع المشرّع الجزائري في هذا الصدد مجموعة من الإجراءات القانونية الوقائية لحماية البيئة في مختلف جوانبها سواء تعّلق الأمر بحماية الموارد المائية أو المجال الطبيعي أو الإطار المعيشي والتي تناولتها القوانين وتصّب في الإطار العام لحماية البيئة .
إذن الإجراءات الرقابية القبلية الكفيلة بحماية البيئة تلكم الأدوات القانونية التي تمنع وقوع السلوك
المخالف لإرادة المشّرع والذي قد يضر بالبيئة في أحد عناصرها و تتمثّل أهمّ الإجراءات في كل من الترخيص و الحظر و الإلزام و نظام التقارير و دراسة مدى التأثير .
الفرع الأول : نظام الترخيص
يقصد بالترخيص بإعتباره عملا من الأعمال القانونية ، ذلك الإذن الصادر عن الإدارة لممارسة نشاط معين ، وبالتالي فإن ممارسة النشاط الإداري هنا مرهون بمنح الترخيص ، إذ لابّد من الحصول على الإذن المسبق من طرف السلطات المعنية وهي السلطة الضابطة .
وعرّف أيضا بأنه ذلك الإذن الصادر من الجهة الإدارية المختصة و هذا بعد دراسة الملف التقني والفني و توافر الشروط القانونية و إتمام دراسة التأثير على البيئة ، ففي العادة يتولّىّ القانون أو التنظيم تحديد شروط منح الترخيص و مدته و إمكانية تجديده بينما تتولّى الإدارة مهمة منح الترخيص إذا ما توافرت الشروط اللازمة التي يحددها القانون .
كما أن التراخيص الخاصة بالأنشطة ذات الخطورة المحتملة على البيئة لها طبيعة عينية و ليست شخصية ذلك على إعتبار أن محل الإعتبار في القانون هو النشاط المرخص به و ظروف مزاولته وهو الأمر الذي يسمح بنقل التراخيص من المرخّص له الأصلي إلى غيره عن طريق التنازل أو الوفاة غير أنه يجب على المتنازل إليه أن يقدم طلبا إلى الإدارة المختصة لنقل الترخيص بإسمه خلال مدة معينّة يحددها القانون .
أما من حيث الجهة أو السلطة المختصة بإصدار التراخيص فقد تكون من السلطات المحلية كإختصاص أصيل " رئيس البلدية أو الوالي في مجال رخص البناء مثلا" أو قد تكون السلطات المركزية بالنسبة لإقامة المشاريع ذات الأهمية و هذا بعد أخذ الرأي الإستشاري للجهة المحلية المختصة و لهذا الأسلوب تطبيق واسع في مجال حماية البيئة .
إن الحكمة من فرض نظام الترخيص في المجال البيئي هو تمكين الإدارة من التدخّل مقدما في كيفية القيام ببعض الأنشطة المضرة بالبيئة وهي التي ترتبط بحفظ النظام العام البيئي و ذلك لتمكين السلطات الإدارية من إتخاذ الإحتياطات اللازمة لوقاية المجتمع من الخطر الذي قد يترّتب على ممارستها في كل حالة تبعا لظروفها من حيث المكان والزمان، ومراقبة سير النشاط المرخص به و فرض إشتراطات جديدة على إستغلاله إذا إستدعى الأمر ذلك .
وقد تضمن التشريع الجزائي الإشارة إلى العديد من التراخيص في مجال الضبط الإداري المتعلّق بحماية البيئة، وعليه سنقتصر الدراسة على أهم تطبيقات هذا الأسلوب:
أولا: رخصة البناء
يبدو للوهلة الأولى أنه لا علاقة بين رخصة البناء و حماية البيئة إلا أنه بإستقراء مواد القانون 90-29 المتعلق بالتهيئة و التعمير يظهر أن هناك علاقة وطيدة بين حماية البيئة ورخصة البناء، وأن هذه الأخيرة هي أهمّ التراخيص المعبّرة عن الرقابة السابقة على المحيط البيئي و الوسط الطبيعي فهي تشكل جانبا هاما من جوانب الرقابة الممارسة على الإستهلاك العشوائي للمحيط ، إذ نصّ قانون التهيئة والتعمير على ضرورة الحصول على رخصة البناء في حالة تشييد بنايات جديدة مهما كان إستعمالها - ماعدا المشاريع التي تحتمي بسريّة الدفاع الوطني فالمشرّع إستثناها- كذلك لترميم أو أي تعديل يدخل على البناء .
كما تضمّن القانون المتعلّق برخصة البناء 82-02 المؤرخ في 06 فيفري 1982 في مادته الخامسة ثقافة واسعة في مجال البناء و التعمير و الترخيص المتعلّق بالبناء و حماية البيئة ، حيث قضى هذا الأخير على إجبارية رخصة البناء في عملية البناء التي تتعلّق بالمنشآت الصناعية أو النقل المدني والجوي والبحري أو إنتاج المياه و معالجتها أو تصفية المياه المستعملة وصرفها أو معالجة الفضلات المنزلية وإعادة إستعمالها أو معالجة النفايات الصناعية وصرفها ، ولعّل السبب وراء إشتراط المشرّع الجزائري إجبارية الحصول على رخصة البناء لإقامة هذه المشاريع يرجع لإرتباط هذه الأخيرة بالصحة العمومية التي تعتبر عنصرا هاما في النظام العام الذي تسعى إجراءات الضبط الإداري لحمايته ، و عليه فإن النصوص المتعلقة برخصة البناء لها علاقة تكميلية مع قوانين حماية الصحة العمومية ، و في حالة مخالفة الشروط المتعلقة بحماية البيئة فإن السلطات الإدارية ملزمة برفض تسليم رخصة البناء .
وفي إطار الحصول على رخصة البناء و علاقتها بحماية البيئة نصّت المادة07 من القانون 90-29 على أنه يجب أن يستفسد كل بناء معدّ للسكن من مصدر للمياه الصالحة للشرب ، و أن يتوفر على جهاز لصرف المياه يحول دون تدفّقها على سطح الأرض كما تشترط المادة 08 على أن يكون تصميم المنشآت و البنايات ذات الإستعمال المهني و الصناعي بكيفية تمكّن من تفادي رمي النفايات الملوّثة و كل العناصر الضارة خارج الحدود المنصوص عليها في التنظيم .
وهناك بعض المجالات المتعلقة بمنح رخصة البناء نصّت عليها بعض القوانين الخاصة مثل القانون المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة حيث نستشف ذلك من خلال قراءتنا للمادة 45 منه على وجوب خضوع عمليات بناء و إستغلال و إستعمال البنايات و المؤسسات الصناعية و التجارية و الحرفية إلى مقتضيات حماية البيئة و تفادي إحداث التلوث الجوي و الحد منه .
أما فيما يخص الشروط القانونية لرخصة البناء فقد وردت في المرسوم التنفيذي 91-176 المتعلق بتحديد كيفيات تحضير شهادة التعمير و رخصة التجزئة و شهادة التقسيم و تتمثّل فيما يلي :
- طلب رخصة البناء موقعّة من المالك أو موكله أو المستأجر المرخّص له قانونا أو الهيئة أو المصلحة المخصّص لها العقار.
- مذكرة بالنسبة للمباني الصناعية ترفق بالرسوم البيانية الترشيدية والتي تتضمّن وسائل العمل وطريقة بناء الهياكل و الأسقف ونوع المواد السائلة و الصلبة و الغازية و كميّاتها المضرة بالصحة العمومية والزراعية و المحيط و الموجودة في المياه و القدرة المصروفة و إنبعاث الغازات و ترتيب المعالجة و التخزين و التصفية ، مستوى الضجيج المنبعث بالنسبة للبنايات ذات الإستعمال الصناعي والتجاري و مؤسسات إستقبال الجمهور .
- قرار من الوالي يتضمّن الترخيص بإنشاء أو توسيع مؤسسات صناعية أو تجارية مصنّفة ضمن المؤسسات الخطرة و غير الصحية و المزعجة .
- تصميم للموقع.
- إحضار وثيقة مدى التأثير على البيئة و هي عبارة عن دراسة تهدف إلى تحديد مدى ملاءمة إدخال المشروع في بيئته مع تحديد و تقييم الآثار المباشرة و غير المباشرة للمشروع على البيئة و التحقق من العمليات و التعليمات المتعلقة بحماية البيئة .
كما يمكن رفض رخصة البناء لاسيما إذا كانت تقديمها سيؤدي إلى المساس بالمحيط و البيئة و المنظر الجمالي و التنسيق العمراني و ذلك على النحو التالي :
- رفض كل رخصة للبناء إذا لم يكن الإبقاء على المساحات الخضراء مضمونا ، أو أدى إنجاز المشروع إلى تدمير الغطاء النباتي.
- إذا كانت البنايات من طبيعتها أن تمسّ بالسلامة و الأمن العمومي من جرّاء موقعها أو حجمها أو استعمالها فإنه يمكن رفض رخصة البناء أو منحها شريطة إحترام الأحكام الخاصة الواردة في القوانين و التنظيمات المعمول بها.
- إذا كانت البنايات نظرا لموقعها يمكن أن تتعرض لأضرار خطيرة يتسبب فبها الضجيج على الخصوص.
- إذا كانت البنايات بفعل أهميها وموقعها ومالها وحجمها من طبيعتها يمكن أن تكون لها عواقب ضارة على البيئة، يمكن رفض رخصة البناء أو منحها شريطة تطبيق التدابير التي أصبحت ضرورية لحماية البيئة .
ثانيا : رخصة إستغلال المنشآت المصنّفة
لم يظهر الاهتمام بمشكل المؤسسات الصناعية و التجارية التي تسبب مساوئ للجوار و أخطار على البيئة إلا منذ سنة 1976 من خلال المرسوم 76-34 المتعلق بالعمارات و المؤسسات الخطيرة غير الصحية و المزعجة التي تفتقر إلى عنصر النظافة أو غير اللائقة و هذا المرسوم هو أو تشريع تناول حماية البيئة من أخطار التلوّث الصناعي في الجزائر .
ليأتي قانون البيئة 83-03 و ينظم المؤسسات الخطرة و يطلق عليها المنشآت المصنّفة و هذا قبل أن يتّم إلغاؤه بموجب القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة .
لقد عرّف المشرّع الجزائري المنشآت المصنّفة في قانون03-10 بأنها تلك المصانع والورشات والمشاغل ومقالع الحجارة والمناجم وبصفة عامة المنشآت التي يستغلّها أو يملكها كل شخص طبيعي أو معنوي عمومي أو خاص والتي قد تتسبب في أخطار على الصحة العمومية والنظافة والأمن والفلاحة والأنظمة البيئية والموارد الطبيعية والمواقع والمعالم والمناطق السياحية أو قد تتسبب في المساس براحة الجوار .
فمن التعريف يمكن القول أن المنشآت المصنّفة هي تلك المنشآت التي تعتبر مصادر ثابتة للتلوّث وتشكل خطورة على البيئة.
وما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام هو أن المشرّع الجزائري قد قسّم المنشآت المصنّفة إلى فئتين: منشآت خاضعة لترخيص ومنشآت خاضعة لتصريح بحيث تمثّل المنشآت الخاضعة للترخيص الصنف الأكثر خطورة من تلك الخاضعة للتصريح ، في حين أن المنشآت الخاضعة للتصريح هي تلك المنشآت التي لا تسبب أي خطر أو مساوئ للمصالح المنصوص عليها في المادة 74 من القانون رقم 83-03 المتعلق بحماية البيئة .
وبالنظر إلى التنظيم الجديد الخاص بالمنشآت المصنّفة فقد رتّب المشرّع المنشآت الخاضعة للترخيص والتصريح حسب درجة الأخطار أو المساوئ التي تنجم عن إستغلالها إلى أربعة أصناف .
- مؤسسة مصنفّة من الفئة الأولى AM "Autorisation Ministérielle " : تتضمّن على الأقل منشأة خاضعة لرخصة وزارية " مثال مستودع للمبيدات الإجمالية تفوق 150طن.
- مؤسسة مصنّفة من الفئة الثانية AW "Autorisation de wali " تتضمّن على الأقل منشأة خاضعة لرخصة الوالي المختص إقليميا، مثال" مستودع للمبيدات قدرته أقل أو تساوي 150 طن".
- مؤسسة مصنّفة من الفئة الثالثةAPAPC "Autorisation du président de apc" : تتضمّن على الأقل منشأة خاضعة لرخصة رئيس المجلس الشعبي البلدي .
- مؤسسة مصنّفة من الفئة الرابعة D" Déclaration": تتضمّن على الأقل منشأة لنظام التصريح لدى رئيس المجلس الشعبي البلدي المختص إقليميا، مثال" مخبزة صناعية قدرة الإنتاج تفوق 0.5 طن لليوم وأقل أو تساوي 5 طن.
ومن هذا القبيل فقد تمّ ايضا إخضاع منشآت النفايات إلى هذا التقسيم ، إذ نصت المادة 42 من القانون 01-19 على أن تخضع كل منشأة لمعالجة النفايات قبل الشروع في عملها إلى:
- رخصة من الوزير المكلف بالبيئة بالنسبة للنفايات الخاصة.
- رخصة من الوالي المختص إقليميا بالنسبة للنفايات المنزلية و ما شابهها.
- رخصة من رئيس المجلس الشعبي البلدي المختص إقليميا بالنسبة للنفايات الهامدة .
كما جاء المرسوم التنفيذي 07-144 المؤرخ في 19 ماي 2007 ليوضح فكرة المنشآت المصنّفة ويشرح و يعرّف بعض المصطلحات المرتبطة بها كالمقصود بالمواد ، المستحضرات ، متى تكون سامية، شديدة السمومة ... ويبيّن متى تكون خاضعة لرخصة وزارية أو ولائية أو بلدية و متى تتطلّب مجرد تصريح لدى رئيس المجلس الشعبي البلدي و متى تتطلّب دراسة للتأثير أو دراسة للخطر .
وفيما يتعلق بإجراءات الحصول على الترخيص فهي تتمثّل :
- ضرورة تقديم طلب الترخيص لدى السلطة المانحة له، يشمل كافة المعلومات الخاصة بصاحب المنشأة سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا؛
- معلومات خاصة بالمنشأة و تتمثّل أساسا في الموقع الذي تقام فيه المنشأة، طبيعة الأعمال التي يعتزم المعني القيام بها و أساليب الصنع؛
- تقديم دراسة التأثير أو موجز التأثير الذي يقام من طرف مكاتب دراسات أو مكاتب خبرات أو مكاتب إستشارات معتمدة من طرف الوزارة الكلفة بالبيئة وهذا على نفقة صاحب المشروع؛
- إجراء تحقيق عمومي و دراسة تتعلق بأخطار وإنعكاسات المشروع ، إلا أن المشرّع لم يحدد كيفية إجراء هذا التحقيق ، كما أنه لم يحدد الجهة المكلفة بالقيام به .
وقد قسمّت هذه الإجراءات إلى مرحلتين :
فخلال المرحلة الأولى يتّم إيداع الطلب مرفقا بالوثائق المذكورة سابقا ليتمّ دراسة الطلب من طرف لجنة مراقبة المؤسسات المصنّفة و التي بناء على دراستها تمنح الموافقة المسبقة لإنشاء المؤسسة المصنّفة على أساس دراسة الطلب في أجل لا يتعدّى 03 أشهر إبتداء من تاريخ إيداع ملف الطلب، حيث لا يستطيع صاحب المشروع أن يشرع في أشغال بناء المؤسسة المصنّفة إلا بعد أن يتحصّل على مقرر الموافقة المسبقة من اللجنة الذكورة سابقا.
أمّا خلال المرحلة الثانية فتتولّى اللجنة المذكورة آنفا زيارة الموقع بعد إتمام إنجاز المؤسسة بغرض التحقق من مطابقتها للوثائق المدرجة في ملف الطلب حتّى تتولى في مرحلة لاحقة إعداد مشروع قرار حول رخصة إستغلال المؤسسة المصنّفة و ترسله إلى السلطات المؤهلة للتوقيع و التي تتوّلى مهمة تسليم الترخيص للمعني في أجل 03 أشهر إبتداء من تاريخ تقديم الطلب عند نهاية الأشغال.
ويتّم تسليم رخصة الإستغلال حسب الحالة إمّا بموجب قرار وزاري مشترك بين الوزير المكلف بالبيئة والوزير المعني بالنسبة للمؤسسات المصنّفة من الفئة الأولى، وإمّا بموجب قرار من الوالي المختص إقليميا بالنسبة للمؤسسات المصنفّة من الفئة الثانية ، وإمّا بموجب قرار من رئيس المجلس الشعبي البلدي المختص إقليميا بالنسبة للمؤسسات المصنّفة من الفئة الثالثة .
أما بخصوص الحالة التي تكون فيها المنشأة ضمن المنشآت المنصوص عليها في الصنف الثالث، ففي هذه الحالة يقرر الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي بمقتضى قرار الشروع في تحقيق علني بمجرد تسلّم الملف المتعلق بالمنشأة المصنّفة مبيّنا فيه موضوع التحقيق وتاريخه وكذلك الأوقات و المكان الذي يمكن لجمهور الإطلاع فيه على الملف و فتح سجل تجمع فيه آراء الجمهور على مستوى مقرات المجالس الشعبية التي تقام فيها المنشأة والموقع الذي ستقام فيه وتقع مسؤولية الالتزام بنشر هذا الإعلان على عاتق الولاّة المختصّين إقليميا ، غير أن رؤساء المجالس الشعبية البلدية الذين يمسّ المحيط المذكور جزء من إقليمها ملزمون بتعليق الإعلان للجمهور على نفقة صاحب الطلب، ويتّم هذا التعليق في مقرّ البلدية المعنية قبل 08 أيام على الأقل من الشروع في التحقيق العلني .
ويتطلّب الأمر تقديم نسخة من طلب الرخصة للمصالح المحلية المكلفّة بالبيئة والري والفلاحة والصحة والشؤون الإجتماعية و الحماية المدنية و مفتشية العمل والتعمير و البناء والصناعة والسياحة من أجل إبداء رأيها في آجال 60 يوما وإلاّ فصل في الأمر من دونها .
وبعد ذلك يتّم استدعاء صاحب الطلب خلال 08 أيام للقيام بتقديم مذّكرة إجابة خلال مدّة حددّها المشرع بـ 22 يوما ثمّ يتّم إرسال ملف التحقيق إلى الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي، ويمكن لأي شخص طبيعي أو معنوي أن يّطلع في الولاية أو البلدية على مذكرة صاحب الطلب وعلى استنتاجات المندوب المحقق.
أما بالنسبة للمجالس الشعبية البلدية التي يعتزم أن تقام فيها المنشأة فعليها أن تبدي برأيها في طلب الرخصة بمجرّد افتتاح التحقيق، إلا أنه لا يمكن أن تأخذ بعين الاعتبار إلا الآراء المعللّة التي يجب التعبير عنها في مهلة تقدر ب 15 يوما الموالية لإغلاق سجّل التحقيق، و قد فرّق المشّرع بين المنشآت من الصنف الثالث والمنشآت من الصنف الأول، فإذا كان قد أخضع المنشآت من الصنف الثالث إلى هذه الإجراءات فإنه بالنسبة للمنشآت من الصنف الأول جعلها تتّم تحت مسؤولية الوالي المختص إقليميا .
ويجب على الإدارة المختصّة أن تبرر موقفها في حالة رفض تسليم الرخصة، ويمكن للمعني في هذه الحالة أن يتقدم بطعن إلا أن المرسوم 98-339 لم يحدد الجهة التي يتّم أمامها الطعن.
ويجب أن ننوّه هنا أنه إذا تعلّق الأمر بمنشأة غير مدرجة في قائمة المنشآت المصنّفة وكان استغلالها يشكّل خطرا و ضررا على البيئة و تمّس بالمصالح المذكورة في المادة 18 من القانون 03-10 * فالوالي وبناء على تقرير من مصالح البيئة يقوم بإعذار المستغّل محددا له أجلا لاتخاذ التدابير الضرورية لإزالة الأخطار أو الأضرار المثبتة ، وإذا لم يمتثل المستغّل في الأجل المحدد يوقف سير المنشأة إلى حين تنفيذ الشروط المفروضة .
ثالثا: رخصة الصيد
حفاظا على التنوع البيولوجي وحماية الثروة الحيوانية منعا لاختلال التوازن البيئي، قام المشرع الجزائري بتنظيم ممارسة الصيد بجعل لها رخصة، فلقد حدّد القانون 04-07 المتعلق بالصيد المبادئ العامة المتعلقة بممارسة الصيد وهي تحديد شروط الصيد والصيادين والمحافظة على الثروة الصيدية والعمل على ترقيتها وتنميتها، منع كل صيد أو أي نشاط له علاقة به خارج المناطق والفترات المنصوص عليها في هذا القانون ، كما حدّدت المادة 06 شروط ممارسة الصيد حيث اشترط حيازة الصياد لرخصة الصيد و كذلك لاجازة الصيد، واشترط أن يكون منخرطا في جمعية للصيادين، وحائزا لوثيقة تأمين سارية المفعول تغطي مسؤوليته المدنية باعتباره صيادا ومسؤوليته الجزائية عن إستعماله للأسلحة النارية أو وسائل الصيد الأخرى، وحسب المادة 07 فقد اعتبر المشرع أن رخصة الصيد هي التي تعبّر عن أهلية الصياد في ممارسة الصيد وهي شخصية لا يجوز التنازل عنها أو تحويلها أو إعارتها أو تأجيرها، لذلك تسلم رخصة الصيد وتثبت صلاحيتها من قبل الوالي أو من ينوب عنه أو رئيس الدائرة حيث يوجد مقر إقامة صاحب الطلب، على أن تكون صالحة عبر كامل التراب الوطني ولمدة 10 سنوات و تجدد بنفس الشروط ، فالمشرع الجزائري أعطى صلاحية منح هذه الرخصة إلى الوالي كي يضبط ممارسة الصيد وفق للقوانين والتنظيمات حتى لا تكون عشوائية ما تهدد البيئة والتنوع البيولوجي باختلال التوازن الطبيعي و بالتالي إنقراض أو نفوق بعض الحيوانات.
الفرع الثاني: الحظر و الإلزام و نظام التقارير
كون موضوع حماية البيئة يتعلق في الغالب بحماية الصحة، فإن قواعده القانونية تأتي في شكل قواعد آمرة ، تأخذ شكلين إمّا شكل أسلوب الحظر أو الإلزام ويتبنّى المشرّع بموجبهما أسلوب الإلزام حينما يأمر الأفراد بإتيان سلوك معيّن توجبه القاعدة القانونية، وإمّا أسلوب الحظر عندما يأمر المشرّع الأفراد بالإبتعاد عن سلوك تحظره القاعدة القانونية، فإلى جانب نظام الترخيص الذي يعتبر أهم وسيلة تستعمله الجماعات المحلية في مجال حماية البيئة نجد هناك إجراءات تأتي في شكل أوامر وهذه الأخيرة تتّخذ صورتين إما الأمر بالإلزام أو الأمر بالحظر ومنها ما يأتي في شكل إلزام بتصريحات أو تقارير وكلها تهدف إلى غاية واحدة وهي حماية البيئة .
أولا: نظام الحظر
ويقصد به تلكم الوسيلة التي تلجأ إليها سلطات الضبط الإداري من أجل منع وإتيان بعض التصرفات بالنظر للخطورة التي تنجم عن ممارستها .
ولكي يكون أسلوب الحظر قانونيا لابدّ أن يكون نهائيا و مطلقا وألاّ تتعسف جهة الإدارة فيه إلى درجة المساس بحقوق الأفراد و حريّاتهم الأساسية، وألاّ يتحوّل إلى عمل غير مشروع فيصبح مجرد إعتداء مادي أو عمل من أعمال الغصب كما يسمّيه رجال القانون الإداري .
فكثيرا ما يلجأ القانون في حمايته للبيئة إلى حظر الإتيان ببعض التصرفات التي يقدّر خطورتها و ضررها على البيئة وقد يكون هذا الحظر مطلقا أو نسبيا :
1: الحظر المطلق
ويعتبر هذا الأخير من أنواع الحظر الغالبة والشائعة في مجال قوانين حماية البيئة ، حيث ينظّم المشرّع بعض القوانين التي من خلالها يمنع إتيان بعض التصرفات التي لها خطورة كبيرة من شأنها أن تسبب أضرارا جسيمة بالبيئة و بالمحيط الطبيعي، وبالتالي هذا المنع يكون منعا باتا لا ترد عليه إستثناءات ولا يخضع للإجراءات التي يخضع لها الترخيص الإداري ، فالحظر المطلق هو نصيب محجوز للمشرّع وما على الإدارة في هذه الحالة إلاّ تنفيذ القواعد القانونية دون توسيع لسلطاتها " مثل إلقاء القمامة في غير الأماكن التي تحددّها الجماعات المحلية وهو ما تقضي به قوانين و لوائح البلدية.
كما تضمّن قانون البيئة 03-10 منع كل صب أو طرح للمياه المستعملة أو رمي النفايات أيا كانت طبيعتها في المياه المخصصة لإعادة تزويد طبقات المياه الجوفية و في الآبار والحفر و سراديب جذب المياه ، وهو ما يدخل في السلطات الضبطية لرئيس المجلس الشعبي البلدي و الوالي للمحافظة على الصحة العمومية .
كذلك شددّ قانون المياه على ضرورة وقاية الأوساط المائية من التلّوث باستعمال أسلوب الحظر والمنع لمايلي:
- تفريغ المياه القذرة مهما تكون طبيعتها أو صبّها في الآبار والحفر أو أروقة إلتقاء المياه والينابيع وأماكن الشرب العمومية؛
- إدخال كل المواد غير الصحية في المنشآت المائية المخصصة للتزويد بالمياه ؛
ومنه ومن خلال النصوص السابقة ، المشرّع الجزائري إستعان بالحظر المطلق كلمّا توقّع وجود خطر يهدد التوازن البيئي.
2: الحظر النسبي
أو المؤقت والجزئي فإنه يكون مشروعا لأنه يكون مجددا من حيث الزمان والمكان و الغرض ويتجسّد هذا الحظر النسبي في منع القيام بأعمال معينّة – يمكن أن تلحق أثارا ضارة بالبيئة في أي عنصر من عناصرها - إلا ّ بعد الحصول على ترخيص بذلك من السلطات المختصّة ووفقا للشروط والضوابط التي تحدّدها القوانين و اللوائح لحمية البيئة .
وعليه فإننا نلاحظ بأن هناك علاقة وثيقة بين كل من الحظر النسبي و الترخيص الإداري ، وتكمن العلاقة في كونهما أسلوبين قانونيين متكاملين ذلك أن المشرّع في الحظر النسبي لا يجعل التصرف مبدئيا محظورا ، على إعتبار أن هذا الحظر يزول إذا إستوفى طلب المعني شروط الترخيص الإداري .
ومن أمثلة هذه الأعمال الواردة ضمن الحظر النسبي نجد المادتان 70 و 71 من القانون 03-10 حيث يخضع عرض المواد الكيماوية في السوق إلى شروط و ضوابط و كيفيات محددة ، فبالنظر إلى الأخطار التي قد تشكّلها المواد الكيماوية يمكن للسلطة المختصة أن تعلّق وضع هذه المواد في السوق على شرط تقديم المنتج أو المستورد للعناصر الآتية:
- مكونات المستحضرات المعروضة في السوق؛
- عينّات من المادة أو المستحضرات التي تدخل في المادة ؛
- المعطيات المرقّمة الدقيقة حول الكميات من المواد الخالصة أو الممزوجة التي تمّ عرضها في السوق أو نشرها أو توزيعها حسب مختلف الاستعمالات؛
- كل المعلومة الإضافية حول تأثيرها على الإنسان و البيئة.
فالحظر هنا معلق على تقديم المعطيات السابقة .
كذلك المادة 55 من القانون نفسه 03-10 حول شروط عملية شحن المواد و النفايات الموجّهة للغمر في البحر و التي تحتاج إلى رخصة.
و المادة 50 التي توجب أن تكون مفرزات منشآت التفريغ عند تشغيلها مطابقة للشروط المحددة عن طريق التنظيم ، كما يحدد التنظيم شروط تنظيم أو منع التدفقات و السيلان و الطرح و الترسيب المباشر أو غير المباشر للمياه و المواد ،و بصفة عامة كل فعل من شأنه المساس بنوعية المياه السطحية أو الباطنية أو الساحلية
ثانيا: نظام الإلزام
من الوسائل القانونية التي تستخدمها الجماعات المحلية في حماية البيئة هو إلزام الأشخاص بالقيام بأعمال معينّة.
والإلزام هو عكس الحظر لأن هذا الأخير هو إجراء قانوني إداري يتّم من خلاله منع إتيان النشاط ، فهو إجراء سلبي في حين أن الإلزام هو ضرورة إتيان التصرّف ، فهو إجابي .
وفي مجال حماية البيئة نعني بالإجراء الضبطي إلزام الأفراد و الجهات و المنشآت بالقيام بعمل إيجابي معيّن لمنع تلويث عناصر البيئة المختلفة أو لحمايتها أو الزام من تسبب بخطئه في تلويث البيئة بإزالة آثار التلوّث ، ومن أمثلة القيام بعمل إيجابي في مجال حماية البيئة نجد أن المشرّع الجزائري ألزم الأفراد عندما يكون الإنبعاث الملوّث للجو يشكّل تهديدا للأشخاص و البيئة أو الأملاك بإتخاذ التدابير الضرورية لإزالتها و تقليصها ، كما ألزم أصحاب الوحدات الصناعية بإتخاذ كل التدابير اللازمة للتقليص أو الكف عن إستغلال المواد المتسببّة في إفقار طبقة الأوزون .
كما جاء القانون 01-19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها بالعديد من صور الإلزام بغرض حماية البيئة و المحيط.
- إلزام المشرّع كل منتج للنفايات أو حائز لها إتخّاذ كل الإجراءات الضرورية لتفادي إنتاج النفايات بأقصى قدر ممكن لاسيما من خلال:
• إعتماد إستعمال تقنيات أكثر نظافة و أقل انتاجا للنفايات؛
• الامتناع عن المواد المنتجة للنفايات غير القابلة للانحلال البيولوجي؛
• الامتناع عن استعمال المواد التي من شأنها تشكيل حطر على الإنسان لاسيما عند صناعة منتجات التغليف .
كذلك المادة 35 من القانون نفسه أوجبت كل حائزا على نفايات منزلية وما شابهها استعمال نظام الفرز و الجمع و النقل الموضوع تحت تصرفه من قبل الهيئات المبيّنة في المادة 32 من هذا القانون " الهيئات هي البلدية" ، لأن البلدية يقع على عاتقها مسؤولية النفايات المنزلية و النفايات الصلبة الحضرية من خلال وضع مخطط بلدي لتسير النفايات البلدية .
ثالثا: نظام التقارير
إستحدث المشرّع الجزائري بموجب النصوص الجديدة المتعلقة بحماية البيئة أسلوب جديد و الذي يسعى من خلاله إلى فرض رقابة لاحقة ومستمرّة على الأنشطة التي يمكن أن تشكل خطر على البيئة، فهو أسلوب مكمّل لأسلوب الترخيص، كما يقترب من الإلزام كونه يفرض على صاحبه القيام بتقديم تقارير دورية عن نشاطاته حتّى تتمكنّ السلطة الضابطة من فرض الرقابة وتسهيل عملية متابعة التطورات الحاصلة على النشاطات و المنشآت التي تشكّل خطرا على البيئة، فبدلا من أن تقوم الإدارة بإرسال أعوانها للتحقيق من السير العادي للنشاط المرخّص به يتولّى صاحب النشاط بتزويدها بالمعلومات والتطورات الحاصلة والجديدة ويرتّب القانون على عدم القيام بهذا الإلزام جزاءات مختلفة .
وأسلوب التقارير أسلوب جديد بحاجة إلى نصوص تنظيمية.
ومن أمثلة أسلوب التقارير في القوانين المتعلقة بالبيئة نجد قانون المناجم الذي ألزم أصحاب السندات المنجمية أو الرخص أن يقدموا تقريرا سنويا متعلقا بنشاطاتهم إلى الوكالة الوطنية للجيولوجيا و المراقبة المنجمية يتعّلق أساسا بنشاطاتهم و كذا الإنعكاسات على حيازة الأراضي و خصوصيات الوسط البيئي ، ورتّب القانون عقوبات جزائية على كل مستغّل أغفل تبليغ التقرير و ذلك بالحبس من شهرين إلى 06 أشهر و بغرامة مالية 500 د ج إلى 20000 د ج ، وبما أن المادة 58 من هذا القانون تنص على إمكانية الوالي المختص إقليميا أن ينشئ بقرار ، بعد إخطاره من قبل المصلحة الجيولوجية الوطنية ، محيطات للحماية حول المواقع الجيولوجية ، والمادة 60 التي يمنع بموجبها الوالي المختص إقليميا بناء اعلى إقتراح من الوكالة الوطنية للجيولوجيا والمراقبة المنجمية كل أعمال تخص بئرا أو رواقا أو أشغال الاستغلال على سطح الأرض أو باطنها تخالف هذا القانون و النصوص المتّخذة لتطبيقه ، و المادة 73 التي تنص على تسليم السندات المنجمية بناء على رأي مبرر من الوالي المختص إقليميا ، فكل هذه المواد توحي لنا بأن الوالي المختص إقليميا معني بالتقارير المرسلة من طرف صاحب السند المنجمي لما له من أهمية بالغة في المراقبة المستمرة للأنشطة و المنشآت التي تشكّل خطرا على البيئة على مستوى ولايته ، كما أن هذا الأسلوب " أسلوب التقارير" يساهم في دعم باقي أساليب الرقابة الإدارية.
الفرع الثالث: نظام دراسة مدى التأثير
قد تبنىّ المشرع الجزائري هذا الإجراء بموجب قانون حماية البيئة لسنة 1983 بحيث إعتبر دراسة مدى التأثير وسيلة أساسية للنهوض بحماية البيئة و أنها تهدف إلى معرفة و تقدير الإنعكاسات المباشرة و/أو غير المباشرة للمشاريع على التوازن البيئوي و كذا على إطار و نوعية معيشة السكان .
ولقد عرّفته المادة 02 من المرسوم التنفيذي 90-78 المتعلق بدراسات التأثير في البيئة بأنه إجراء قبلي تخضع إليه جميع أشغال و أعمال التهيئة أو المنشآت الكبرى التي يمكن بسبب أهميتها و أبعادها و آثارها أن تلحق ضررا مباشرا أو غير مباشرا بالبيئة ولاسيما الصحة العمومية والفلاحة و المساحات الطبيعية والحيوان والنبات والمحافظة على الأماكن و الآثار و حسن الجوار .
كما أن قانون حماية البيئة والتنمية المستدامة 03-10 قد نصّ على دراسة التأثير تحت عنوان نظام تقييم الآثار البيئية لمشاريع التنمية بدون أن يعرّفه تعريفا مباشرا بل إكتفى بذكر المشاريع التي تخضع لدراسة التأثير وهي مشاريع التنمية و الهياكل و المنشآت الثابتة و المصانع و الأعمال الفنية الأخرى وكل الأعمال وبرامج البناء التي تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة على البيئة لاسيما على الأنواع والموارد و الأوساط والفضاءات الطبيعية و التوازن الإيكولوجي و كذلك على إطار ونوعية المعيشة وكذلك تناولها قانون المناجم بأن دراسة التأثير على البيئة هو تحليل آثار استغلال كل موقع منجمي على مكونات البيئة بما فيها الموارد المائية ، جودة الهواء و الجو ، سطح الأرض وباطنها، الطبيعة ، النبات، الحيوان و كذا التجمعات البشرية القريبة من الموقع المنجمي بسبب الضوضاء و الغبار والروائح والإهتزازات و تأثيرها على الصحة العمومية للسكان المجاورين .
أما بخصوص النصوص التنظيمية فإننا نجد في هذا الصدد المرسوم التنفيذي07-145 المحدد لمجال ومحتوى المصادقة على دراسة و موجز التأثير على البيئة ، الذي جاء خاليا من أي تعريف لهذه الأداة وإكتفى في المادة 02 منه بتبيان الهدف منها .
ومنه ومن خلال التعريفات السابقة يمكن تعريف دراسة التأثير بأنها دراسة تقييمية مسبقة تهدف إلى الكشف عن ما قد تسببه المشاريع الخطرة من آثار على البيئة بهدف التقليل أو الحد منها ، كما نلاحظ أن المشرّع الجزائري إستحدث دراسة جديدة من خلال قانون 03-10 هي موجز التأثير .
أولا: المشاريع التي تخضع لدراسة التأثير
لقد حدد المشرّع الجزائري في المادة 15 من القانون 03-10 المشاريع التي تتطلب دراسة التأثير وهي" مشاريع التنمية و الهياكل و المنشآت الثابتة و المصانع و الأعمال الفنية الأخرى و كل الأعمال وبرامج البناء و التهيئة".
وما يمكن استنتاجه من خلال النص أن المشرع الجزائري ربط المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير بمعيارين:
- المعيار الأول: معيار الأبعاد و التأثيرات على البيئة من خلال العمليات التي يمكن أن تؤثر على البيئة الطبيعية أو أحد مكوّناتها أو البيئة البشرية .
- المعيار الثاني: أنه جعل دراسة التأثير تتعلّق بحجم و أهمية الأشغال و المنشآت الكبرى كبرامج البناء والتهيئة.
لكن الذي يؤخذ على المشرّع الجزائري أنه ترك المجال مفتوح و على عموميته و لم يحدد المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير فهو لم يعط الوصف الدقيق لذلك و هذا من خلال استقرائنا للمادة 15 من القانون 03-10 ، إلاّ أنه و في المقابل و بالعودة إلى المرسومين 07-145 المتعلّق بتحديد مجال تطبيق و محتوى و كيفيات المصادقة على دراسة و موجز التأثير على البيئة و 07-144 الذي أرفق بملحق حددّ المشرّع من خلاله قائمة المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير و هي محددّة على سبيل الحصر .
إضافة إلى قانون حماية البيئة هناك قوانين أخرى أخضعت بعض المشاريع لدراسة التأثير لاسيما القانون 01-20 المؤرخ في 12 ديسمبر 2001 المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة ،و القانون 01-19 المؤرخ في 12 ديسمبر 2001 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها و إزالتها حيث تخضع شروط إختيار مواقع إقامة منشآت معالجة النفايات و تهيئتها و إنجازها و تعديل عملها و توسعتها إلى التنظيم المتعلق بدراسة التأثير .
ثانيا: محتوى دراسة و موجز التأثير في البيئة
على المستوى الفقهي فإن موجز التأثير تعتبر دراسة مصغّرة و بالتالي فإن محتواها يختلف مبدئيا عن محتوى دراسة مدى التأثير على البيئة و هذا ما يبدو واضحا من نص المادة 16 من قانون 03-10 إلاّ أن المرسوم التنفيذي 07-145 وحدّ بين الدراستين من حيث محتواها ، فوفقا للمادة 16 من القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة يتضّمن محتوى دراسة التأثير مايلي:
- عرض عن النشاط المراد القيام به؛
- وصف للحالة الألية للموقع و بيئته اللذان قد يتأثران بالنشاط المراد القيام به؛
- وصف التأثير المحتمل على البيئة و على صحة الإنسان بفعل النشاط المراد القيام به والحلول البسيطة المقترحة.
- عرض عن تدابير التحقيق التي تسمح بالحد أو بإزالة ، و إذا أمكن تعويض الآثار المضرة بالبيئة والصحة .
كما حدد المشرع الشوط التي يتّم بموجبها نشر دراسة التأثير ، محتوى موجز التأثير و قائمة الأشغال التي بسبب أهمية تأثيرها على البيئة تخضع لإجراءات دراسة التأثير وقائمة الأشغال التي بسبب ضعف تأثيرها على البيئة تخضع لإجراءات موجز التأثير.
فنرى من هذه المادة أن موجز التأثير هو إجراء استحدثه قانون 03-10 و بالتالي فإن الإختلاف بين دراسة التأثير على البيئة و موجز التأثير بالغ الأهمية .
فالأولى مخصصة للمشاريع و أعمال التهيئة التي لها تأثير بالغ على البيئة أمّا الثانية فهي مخصصّة للمشاريع الأقّل أهمية و ذات تأثير ضعيف على البيئة ، فالمؤسسات المصنّفة مثلا نجد التي تخضع لدراسة التأثير تتطّلب رخصة من الوزير أو الوالي أمّا التي تخضع لموجز التأثير تتطلب رخصة من رئيس المجلس الشعبي البلدي حسب الملحق الذي ورد في المرسوم 04-144.
إن المرسوم التنفيذي 07-145 تعرّض إلى 04 مسائل:
- ميدان تطبيق و محتوى دراسات التأثير و موجز التأثير
- إجراءات فحص دراسات التأثير و موجز التأثير
- التحقيق العمومي
- كيفيات المصادقة على دراسات التأثير و موجز التأثير
ففيما يخص إجراءات فحص دراسات التأثير و موجز التأثير فوردت في المواد 7،8 ،9 من المرسوم 07-145 .
حيث تودع هذه الإجراءات في 10 نسخ لدى الوالي المختص إقليميا الذي يطلب بدوره من المصالح المكلفة بالبيئة إقليميا " مديرية البيئة" لفحص محتوى دراسات مدى التأثير و موجز التأثير وهذه هي رقابة حقيقية تمارسها الإدارة البيئية على الجوانب التقنية و القانونية لدراسة مدى التأثير و موجز التأثير ، هي رقابة مطابقة للقواعد التقنية و الشرعية .
إن الفحص الذي تمارسه الإدارة البيئية هو فحص تمهيدي و ليس نهائي و يمكن أن يؤدي إلى قبول دراسة مدى التأثير أو موجز التأثير من قبل المصالح المكلّفة بالبيئة ، في هذه الحالة يقرر الوالي فتح تحقيق عمومي و دعوة الغير " شخص طبيعي أو معنوي" لإعطاء أرائهم حول المشروع المزمع إنجازه وانعكاساته على البيئة .
كما أن قانون البيئة لسنة 2003 يخضع إلى التحقيق العمومي دراسة التأثير فقط في حين المرسوم التنفيذي 07-145 يخضع إلى التحقيق العمومي كلا من دراسة التأثير و موجز التأثير.
المطلب الثالث: الإجراءات الإدارية البعدية لحماية البيئة
إلى جانب الأدوات الرقابية القبلية السالفة الذكر فقد زوّد المشرّع الجزائري سلطات الضبط الإداري بأدوات ووسائل تدّخل قانونية ردعية لاحقة عن طريق استعمال امتيازات السلطة العامة تمارسها على الأفراد والمؤسسات لمراقبة مدى احترامها للإجراءات المتّبعة من أجل التوّصل لضمان حماية فعّالة للبيئة بمختلف عناصرها ومكوّناتها، غير أن المشرّع قيّدها بإتباع جسامة المخالفة المرتكبة" المخالفة البيئية" و نوع التدّخل وعادة ما تأخذ تلك الأدوات شكل الإخطار " الإعذار"، الوقف الجزئي للنشاط أو الوقف الكلي عن طريق سحب الرخصة .
إضافة إلى كل هذه الوسائل فثمّة وسيلة أخرى منحها المشرّع الجزائري للإدارة وهي عبارة عن أسلوب جديد من الجزاء أدخله بمقتضى قانون المالية لسنة 1992 و هو ما يعرف بالرسم على التلويث " مبدأ الملوّث الدافعّ " أو " الرسم البيئي" وقد تمّ الإشارة له سابقا.
الفرع الأول: الإخطار
اختلفت تسمياته من إنذار إلى إعذار إلى إخطار ، إلاّ أنه يعتبر من بين الإجراءات التي تمتلكها جهة الإدارة من أجل تنبيه و تذكير المخالف و إلزامه معالجة الوضع و اتخاذه التدابير الكفيلة بجعل نشاطه مطابقا للمقاييس القانونية البيئية المعمول بها .
والإخطار في حقيقة الأمر لا يعتبر جزاء و إنمّا يعتبر مجرد تنبيه من الإدارة للمعني لتدارك الوضع و تصحيحه ليكون نشاطه منسجما مع ما يتطلبه القانون، هذا إلى جانب توفيره للحماية الأولية من الآثار السلبية للنشاط قبل تفاقم الوضع وإتّخاذ إجراءات ردعية أكثر صرامة في حق المتسبب في ذلك .
و قد تضمّنت المادة 25 من القانون 03-10 المتعلق بالبيئة مثالا على هذا الإجراء بنصّها على أنه" عندما تنجم عن استغلال منشأة غير واردة في قائمة المنشآت المصنّفة أخطارا أو أضرارا تمس بالمصالح المذكورة في المادة 18 ، وبناء على تقرير من مصالح البيئة يعذر الوالي المستغّل و يحدد له أجلا لإتخاذ التدابير الضرورية لإزالة الأخطار أو الأضرار المثبتة..." .
والهدف من الإخطار أو الإعذار هو حماية قانونية أولية قبل اتخاذ الإجراءات الردعية الأخرى ، فهو مقدمة من مقدّمات الجزاء القانوني .
كما نصّت المادة 56 من القانون نفسه السابق على أنه " في حالة وقوع عطب أو حادث في المياه الخاضعة للقضاء الجزائري لكل سفينة أو طائرة أو آلية أو قاعدة عائمة تنقل أو تحمل مواد ضارة أو خطيرة أو محروقات من شأنها أن تشّكل خطرا لا يمكن دفعه ومن طبيعته إلحاق ضرر بالساحل أو المنافع المرتبطة به ، يعذر صاحب السفينة أو الطائرة أو الآلية أو القاعدة العائمة باتخّاذ كل التدابير اللازمة لوضع حد لهذا الإخطار..." .
كما نصّ القانون المتعلّق بتسيير النفايات و مراقبتها رقم 01-19 في المادة 48 على أنه" عندما يشكّل استغلال منشأة لمعالجة النفايات أخطارا أو عواقب سلبية ذات خطورة على الصحة العمومية و/أو على البيئة تأمر السلطة الإدارية المختصّة المستغّل باتخاذ الإجراءات الضرورية فورا لإصلاح هذه الأوضاع....." ، و السلطة الإدارية المختصة تتمثّل في الوالي بالنسبة لمنشآت معالجة النفايات المنزلية و ما شابهها ، و رئيس المجلس الشعبي البلدي بالنسبة لمنشآت معالجة النفايات الهامدة .
أما المرسوم الخاص بحماية مياه الحمّامات المعدنية رقم 94-91 الصادر سنة 1994 فنصّ على أنه إذا رأى مفتش البيئة أو المفتش التابع للصحة العمومية أن شروط استغلال المياه المعدنية غير مطابق لعقد الامتياز فإن الوالي المختصّ إقليميا يرسل إعذارا للمستغّل بغرض اتخاذه التدابير اللازمة لجعلها مطابقة وإن لم يقم بذلك خلال المهلة المحددّة له سلفا في الإعذار ، فإن الوالي يقرر وقف عمل المؤسسة مؤقتا إلى غاية تنفيذ الشروط .
الفرع الثاني: سحب الترخيص
عملا بقاعدة توازي الأشكال فإن الإدارة تقوم بتجريد المستغّل- الذي لم يجعل من نشاطه مطابقا للمقاييس البيئية - من الرخصة و ذلك عن طريق سحبها بقرار إداري و بما أن نظام الترخيص يعدّ من أهمّ وسائل الرقابة الإدارية لما يحققه من حماية مسبقة على وقوع الإعتداء و أنه أكثر تحكما و نجاعة لحماية البيئة لإرتباطه بالمشاريع ذات الأهمية و الخطورة على البيئة ، لاسيما المشاريع الصناعية وأشغال البناء و كذلك المركبات و المنقولات الأخرى ، فإن سحبه يعتبر من أخطر الجزاءات الإدارية التي خوّلها المشرّع للإدارة .
وعادة ما تترّكز أسباب سحب التراخيص أو إلغاؤها على الأمور التالية :
- إذا كان إستمرار المشروع يؤدي إلى خطر داهم على النظام العام أو الصحة العمومية أو السكينة العامة.
- إذا لم يستوف المشروع الشروط القانونية التي ألزم المشرع ضرورة توافرها
- إذا توقف العمل بالمشروع لأكثر من مدّة معينّة يحدّدها القانون.
- اذا صدر حكم قضائي يقضي بغلق المشروع أو إزالته
و لهذه الآلية عدة تطبيقات في التشريع الجزائري فقد نصّت المادة 153 من قانون المناجم 01-10 على مايلي" يجب على صاحب السند المنجمي و تحت طائلة التعليق المتبوع بسحب محتمل لسنده........أن يقوم بما يأتي:
- الشروع في الأشغال في مدّة لا تتجاوز سنة واحدة بعد منح السند المنجمي ومتابعتها بصفة منتظمة
- إنجاز البرنامج المقرر لأشغال التنقيب و الاستكشاف و الاستغلال حسب القواعد الفنية...."
وبما أن رخصة إستغلال مقالع الحجارة و المرامل تمنح من طرف الوكالة الوطنية للممتلكات المنجمية بعد استشارة الوالي المختص إقليميا فإننا نستقرأ أن سحب الرخصة يكون أيضا باستشارة الوالي المختص إقليميا في حالة مخالفة المستغّل لشروط الإستغلال.
كما نصّت المادة 11 من المرسوم التنفيذي 93-160 المتعلق بتنظيم النفايات الصناعية السائلة على أنه اذا لم يمتثل مالك التجهيزات في نهاية الأجل المحدد له ، يقرّر الوالي الإيقاف المؤقت لسير التجهيزات المتسببة في التلوث حتى غاية تنفيذ الشروط المفروضة ، و في هذه الحالة يعلن الوزير المكلف بالبيئة عن سحب رخصة التصريف بناء على قرار الوالي ، وذلك دون المساس بالمتابعة القضائية المنصوص عليها في التشريع المعمول به .
كما نصّ المشرّع في قانون المياه 05-12 على أنه " في حالة عدم مراعاة صاحب رخصة أو إمتياز استعمال الموارد المائية للشروط والالتزامات المنصوص عليها قانونا تلغى هذه الرخصة أو الامتياز"
الفرع الثالث: الوقف المؤقت للنشاط
عادة ما ينصبّ الوقف المؤقت للنشاط على المؤسسات ذات الصبغة الصناعية ممّا لها من تأثير سلبي على البيئة ، خاصة تلك المنبعثة منها الجزئيات الكيمياوية المتناثرة جوا أو التي عادة ما تكرر زيوتا شحمية تؤثر بالدرجة الأولى على المحيط البيئي مؤدية إلى تلويثه أو المساس بالصحة العمومية .
وبالتالي فهو يعتبر من التدابير التي تلجأ اليها الإدارة حماية للبيئة بسبب مزاولة المشروعات الصناعية لنشاطاتها المؤثرة على البيئة ونتيجة لعدم إمتثال صاحب النشاط باتخاذ جميع التدابير الوقائية اللازمة وذلك من بعد إنذاره من طرف الإدارة المختصة.
والمشرّع الجزائري في غالب الأحيان يستعمل مصطلح " الإيقاف" في حين أن المشرّع المصري يستعمل مصطلح "الغلق" و قد ثار جدال فقهي بشأن الطبيعة القانونية للغلق كعقوبة ، فهناك من يرى أن الغلق ليس بعقوبة و إنمّا هو مجرد تدبير من التدابير الإدارية ، إلاّ أن هذا الرأي تعرض للنقد على أساس أن الغلق في القانون العام يجمع بين العقوبة الجزائية ومعنى التدبير الوقائي .
ومهما يكن الأمر فإنّ الغلق المقصود هنا هو الوقف الإداري للنشاط و الذي هو عبارة عن إجراء يتّخذ بمقتضى قرار إداري و ليس الوقف الذي يتّم بحكم قضائي.
وفي هذا الإطار نشير إلى بعض الحالات كتطبيق لهذا الجزاء ، حيث نصّ المشرّع الجزائري في المرسوم التنفيذي 93-165 المنظم لإفراز الدخان و الغاز و الغبار و الروائح و الجسيمات الصلبة في الجو بقوله" إذا كان استغلال التجهيزات يمثّل خطرا أو مساوئ أو حرجا خطيرا على أمن الجوار وسلامته و ملاءمته للصحة العمومية ، فعلى الوالي أن ينذر المستغّل أو بناء على تقرير مفتش البيئة بأن يتخذ كل التدابير اللازمة لإنهاء الخطر و المساوئ الملاحظة و إزالتها و إذا لم يمتثل المستغّل أو المسيّر في الآجال المحددة لهذا الإنذار يمكن إعلان التوقيف المؤقت لسير التجهيزات كليا أو جزئيا بناء على إقتراح مفتش البيئة بقرار من الوالي المختص إقليميا دون المساس بالمتابعات القضائية ....." .
كما قرر المشرّع في القانون المتعّلق بتسيير النفايات 01-19 أنه عندما يشّكل استغلال منشأة لمعالجة النفايات أخطارا أو عواقب سلبية ذات خطورة على الصحة العمومية و/أو على البيئة ، تأمر السلطة الإدارية المختصة المستغّل باتخاذ الإجراءات الضرورية فورا لإصلاح هذه الأوضاع ، وفي حالة عدم إمتثال المعني بالأمر، تتخذ السلطة المذكورة تلقائيا الإجراءات التحفظية الضرورية على حساب المسؤول و /أو توقف كل النشاط المجرم أو جزء منه .
فالوالي مسؤول عن غلق المنشآت الخاصة بالنفايات المنزلية وما شابهها ورئيس المجلس الشعبي البلدي مسؤول عن غلق المنشآت الخاصة بالنفايات الهامدة باعتبارهما هما من يمنحا رخصتا الاستغلال لهما .
والأمر نفسه تناوله قانون حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة و الذي ينصّ على أنه إذا لم يمتثل مستغّل المنشأة غير الواردة في قائمة المنشآت المصنّفة للإعذار في الأجل المحدد يوقف سير المنشأة إلى حين تنفيذ الشروط المفروضة .
وقد كرّس المشرّع هذا الجزاء أيضا من خلال قانون المناجم 01-10 الذي نصّ على أنه في حالة معاينة المخالفة يمكن لرئيس الجهة القضائية المختصة وفقا للإجراء الإستعجالي أن يأمر بتعليق أشغال البحث أو الاستغلال بناء على طلب السلطة الإدارية المؤهلة .
نلاحظ أن المادة212 من قانون المناجم المذكور سابقا قد قيّدت سلطة الإدارة المؤهلة أي ادارة المناجم في وقف النشاط إلا بعد تقديم طلب للغرفة الإدارية و نرى أنه كان على المشرع أن يترك للإدارة السلطة التقديرية لأن حماية البيئة تتطلب السرعة في تنفيذ القرارت.
كما نصّت المادة 57 منه على أن السلطات المحلية تتخذ الإجراءات و التدابير التحفظية بناء على إقتراح من الوكالة الوطنية للمناجم في حالة كانت أعمال البحث والإستغلال المنجمي ذات طبيعة تخّل بالأمن و السلامة العمومية و سلامة الأرض وصلابة المساكن والمنشآت وطبقات المياه و استعمال موارد التزود بالمياه الصالحة للشرب و السقي و نوعية الهواء التي تشّكل خطرا على السكان المجاورين.
الفرع الرابع: الجباية البيئية
إن الوقوف عند قوانين المالية الجزائرية لاسيما بعد سنة 1992 ، تظهر إهتماما بيئيا واضحا ، تجسدت من خلال فرض تدريجي للجباية على الأنشطة الملوثة للبيئة بشكل ردعي ومع نظرة وقائية من أجل الحماية و المحافظة على البيئة في الجزائر، ووضع حد للتدهور البيئي تأثرا بالإهتمام الدولي وإنتشار الوعي البيئي دولياً و داخلياً و لهذا بدأ التكفل بهذه الحماية مادية من خلال وضع مجموعة من الرسوم الغرض منها مزدوج وقائي و ردعي .
فالجباية البيئية تعّد من الأدوات الإقتصادية الناجحة حالياً والأكفىء على الإطلاق لحماية البيئة والحد من أثار التلوث، وهي متمثلة في الضرائب والرسوم المفروضة من طرف الدولة بغرض التعويض عن الضرر الذي يسببه الملوث لغيره على إعتبار أن الحق في البيئة النظيفة هو الحق المطلق لجميع الأفراد على إختلافهم بالإضافة إلى أن الجباية البيئية قد تشمل مختلف الإعفاءات والتحفيزات الجبائية للأشخاص المعنويين و الطبيعيين الذي يستخدمون في نشاطاتهم الإقتصادية تقنيات صديقة للبيئة .
كما تعرف على أنها إحدى السياسات الوطنية المستحدثة مؤخراً و التي تهدف إلى تصحيح النقائص عن طريق وضع تسعيرة أو رسم أو ضريبة للتلوث و يعبر عنها بالضرائب الخضراء أو الضرائب الإيكولوجية و تأخذ الجباية البيئية ثلاث صور هي الرسوم و الضرائب و الأتاوى .
فالجزائر أقرت الجباية البيئية عملاً بمبدأ الملوث الدافع الذي أشار إليه المشرع الجزائري في قانون البيئة الجديد 03-10 والذي يعكس إرادة المشرع في انتهاج النهج الضريبي من أجل استعمال عقلاني لموارد الطبيعة وتفعيل لجوانب الحماية البيئية وهذا بداية من سنة 1992 وبموجب قانون المالية91- 25 حيث تنص المادة 117 منه على تأسيس رسم على النشاطات الملوثة أو الخطيرة على البيئة وحدّد القانون المعدّل الأساسي للرسم السنوي حسب طبيعة المنشأة المصنفة، حيث حدّد مبلغ 3000 د ج للمنشآت المصنفة التي لها نشاط واحد خاضع لاجراء التصريح ومبلغ 30000 دج للمنشآت المصنفة التي لها نشاط واحد خاضع لاجراء الترخيص .
والولاية خصّها قانون المالية بالذكر من خلال الرقابة التي يفرضها الوالي على المؤسسات المصنّفة من الفئة الثانية التي تتضمن على الأقل منشأة خاضعة لرخصة الوالي المختص اقليميا ، وهذا حسب المادة 03 من المرسوم التنفيذي 06 – 198 والذي عدّل المرسوم رقم 98 – 339 ، لكن هذا التعديل مسّ فقط الجانب الاداري مثل استحداث لجنة ولائية للنظر في الملفات ولم يمسّ قيمة الرسوم على الأنشطة الملوثة أو الخطيرة ، حيث بقيت تستند الرسوم على نفس نوع المؤسسات الواردة في المرسوم 98 – 339 ليأتي قانون المالية لسنة 2000 ليعدل المادة 117 من قانون المالية 91 – 25 لسنة 1992 " السابق " خصوصا ما يتعلق بالمبالغ السنوية للرسم على النشاطات ، لكنه أبقى على نفس الرسوم الواردة في القانون 91 – 25 وعلى أساس المعايير التي تمّ تحديدها في المرسوم 98-339 حيث نجد أنه قد حدّد 90000 دج بالنسبة للمنشآت المصنفة التي تخضع احدى نشاطاتها على الأقل لرخصة الوالي المختص اقليميا طبقا للمرسوم، أما بالنسبة للمنشآت التي لا تشغل أكثر من شخصين فحدّد رسومها ب 18000 د ج والتي تخضع لرخصة من الوالي أيضا.
ومنه نلاحظ أنه و بعد صدور قانون المالية لسنة 2002 والذّي عرفت فيه حماية البيئة دفعا جديدا في مجال آليات الحفاظ عليها خاصة من ناحية الرسوم الإيكولوجية المفروضة لحماية البيئة إلا أن مهام الولاية في الرقابة على المنشآت المصنفة لحماية البيئة مازال يقتصر على بعض المنشآت و التي تخضع لرخصة الوالي ، كما أن الإيرادات المحصّلة من الجباية البيئية والمخصّصة للولاية جراء قيامها بالرقابة ضئيلة جدا ما يجعلها أحيانا غير قادرة على مواجهة التلوث الناتج على الأنشطة الصناعية مقارنة بما تحصل عليه من الرسوم .
دعما للولاية في حماية البيئة من خلال قانون المالية فإن البلدية أخصّها هذا القانون بمراقبة النشاطات الصناعية الملوثة و تكمن هذه المراقبة على منح التراخيص للمؤسسات المصنفة ، إذ حدّد قيمة الرسم المطبّق على المنشآت الخاضعة لترخيص من رئيس المجلس الشعبي البلدي بـ 20000 دج و يخفض إلى حدود 3000 دج سنويا بالنسبة للمنشآت التي لا تشغل أكثر من شخصين .
كما خوّل المشرع الجزائري للبلديات حرية نسبية في تنظيم بعض الرسوم الإيكولوجية خاصة الرسم المتعلق بالنفايات الحضرية ، حيث كانت قيمة رفع النفايات المنزلية زهيدة ما عطّل تطور خدمات رفع النفايات و لم يكن بمقدرة البلديات تطوير أساليب معالجة هذه النفايات ، إذ لم تكن تكتفي إلا برفع النفايات من المناطق الحضرية و إلقائها في الوسط الطبيعي ، لذا جاء قانون المالية لسنة 2002 ليجسد مبدأ الملوث الدافع لمعالجة هذا الوضع و تم تحديد نسب هذه الرسوم ما بين 500 دج و 1000 دج عن كل محل ذي إستعمال سكني و ما بين 1000دج و 10000 دج عن كل محل ذي إستعمال مهني أو تجاري أو حرفي أو ما شابهه و ما بين 5000 دج و 20000 دج عن كل أرض مهيأة للتخييم و المقطورات و ما بين 10000 دج و 100.000 دج عن كل محل ذي إستعمال صناعي أو تجاري أو حرفي أو ما شابهه ينتج كمية من النفايات تفوق الأصناف المذكور أعلاه .
ويتم تحديد هذه الرسوم و تطبيقها على مستوى كل بلدية بقرار من رئيس المجلس الشعبي البلدي بناء على مداولة المجلس الشعبي البلدي و بعد إستطلاع رأي السلطة الوصية .
كما نص المشرع على تقديم الدعم المالي في حق القائمين بهذه النشاطات و يتمثل في الاستفادة من تحصيل الضرائب و الرسوم و الأتاوي التي تحدّد قائمتها و مبلغها عن طريق التشريع المعمول به والجدول التالي يوضح إستفادة البلديات من الرسوم .
الرقم نوع الرسم نسبة إستفادة البلديات إستفادة الهيئات الأخرى
01 الرسم التحفيزي لإنقاص المخزون من النفايات الصناعية الخطيرة 10 ٪ 15 ٪ لفائدة الخزينة العمومية
75 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
02 الرسم التحفيزي لإنقاص المخزون من النفايات المرتبطة بأنشطة العلاج للمستشفيات و العيادات 10 ٪ 15 ٪ لفائدة الخزينة العمومية
75 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
03 رسم على الأنشطة الملوثة و الخطيرة 00 ٪ 100 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
04 الرسم التكميلي على التلوث الجوي ذو الطابع الصناعي 10 ٪ 15 ٪ لفائدة الخزينة العمومية
75 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
05
الرسم على الوقود 00 ٪ 50 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
50 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
06 الرسم على رفع النفايات المنزلية 100 ٪
07 الرسم التكميلي على المياه الملوثة 30 ٪ 50 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
20 ٪لميزانية الدولة
08 الرسم التكميلي على المياه المستعملة ذات المصدر الصناعي 30 ٪ 20 ٪لفائدة خزينة الدولة
50 ٪ لفائدة الصندوق من أجل البيئة و إزالة التلوث
المصدر: من إعداد الطالب بالإعتماد على: قانون المالية 2000 ، 2002 ،2003 ، 2006
- يحي وناس " الآليات القانونية لحماية البيئة في الجزائر " المرجع السابق ، ص ص 83 إلى 85 .
- بن أحمد عبد النعم "الوسائل القانونية الإدارية لحماية البيئة في الجزائر، المرجع السابق ص ص109 ، 110.
- حسنونة عبد الغني : الحماية القانونية للبيئة في إطار التنمية المستدامة ، المرجع السابق ، ص81 - سمير بن عايش " السياسة العامة في الجزائر ..." المرجع السابق ، ص 66
ومنه ترتيبا على ما سبق يتضّح لنا أن السياسة الجبائية البيئية و إن كانت لها دور و أهمية في الحدّ من التلوث إلا أنها يعتريها بعض النقائص حيث تتميز من ناحية التجسيد بين نقص في العزيمة و غياب الشفافية في التطبيق حيث تقوم على تحميل الطرف الملوث " أصحاب المؤسسات الملوثة " عبء الرسم و ذلك بغرض حمله على المساهمة في النفقات التي تقتضيها عملية إزالة التلوث و حماية البيئة ، ما يجعل أصحاب المؤسسات الملوثة تعوّض عن دفع الرسوم و يعكس المبلغ على المستهلك و بالتالي المستهلك من يتحمّل الرسوم و تصبح الرسوم غير ردعية تجاه الملوث المباشر .
كما أن البلدية لا تستفيد من عوائد الرسوم البيئية إلا بنسب صغيرة و أحيان لا تستفيد من هذه الرسوم نهائيا رغم أنها معنية بالحفاظ و حماية جميع عناصر البيئة على مستوى إقليمها ، لذلك لا بد من إعادة النظر في النسب المشار إليها في الجدول، قصد تحقيق التنمية المستدامة على المستوى المحلي كما يجب إعادة النظر في تطوير الجباية البيئية حتى تستجيب لأهداف حماية البيئة و التنمية المستدامة كي لا يكون تأثيرها سلبيا على البيئة، كما يجب تخصيص هذه الرسوم لحماية البيئة وفقط .
المطلب الرابع: مشاكل ممارسة الضبط الإداري المحلي
تعتبر الجماعات المحلية الحلقة الأهمّ في تنفيذ السياسات العامة البيئية على أرض الواقع و على المستوى الوطني باستخدام الوسائل والإمكانات المادية والبشرية المتاحة وممارسة صلاحياتها المنصوص عليها في القوانين ، ولاشكّ أن النصوص القانونية المتعلقّة بحماية البيئة إعترفت بصلاحيات ضبطية معتبرة للجماعات المحلية " الولاية و البلدية" في هذا الصدد ،غير أنّ ممارسة تلك الصلاحيات لم يبلغ المرجو منه بسبب عدّة مشاكل ومعوقات منها القانونية و منها الواقعية التي تحول دون ممارسة سلطات الضبط الإداري المحلي على أكمل وجه .
الفرع الأول: مشاكل ذات طابع قانوني
تتّحد جملة من المشاكل القانونية مع بعضها البعض لتعرقل بشكل أو بآخر المسؤول المحلي للإضطلاع بمهامه على أحسن وجه، و هي على وجه الخصوص تناثر النصوص القانونية و تضخّمها ، نصوص قانونية عامة و سلطة تقديرية واسعة...، كذلك الإحالة المفرطة على النصوص التنظيمية .
أولا: تناثر النصوص القانونية البيئية
إنّ ممّا يزيد من تعقيد ممارسة الجماعات المحلية لسلطاتها الضبطية هو تناثر صلاحياتها ضمن ترسانة كبيرة من القواعد القطاعية التي يصعب ضبطها وفهمها حتى من قبل المتخصّصين، حيث وممّا يلاحظ على التعديل الجديد لقانون البيئة من خلال قانون 03-10 أنه لم يعاود النص على أنّ الجماعات المحلية تمثّل المؤسسات الرئيسية لتطبيق تدابير حماية البيئة ، بسبب الإنتقال من الإطار المحلي إلى الإطار الجهوي الذي يراعي الإمتداد الطبيعي للأوساط، بإعتباره أسلوب حديث لتسير البيئة و المحافظة عليها .
وقد أحصينا أكثر من 16 نصا تشريعيا ينظم مسائل مختلفة متعلّقة بالبيئة وعشرات النصوص التنظيمية ، وتعالج تلك النصوص مواضيع متشعّبة تتعلّق بالنفايات وتهيئة الإقليم والسياحة وإستغلال الشواطئ ومناطق التوّسع و المواقع السياحية والتهيئة العمرانية والطاقات المتجددة والوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث والمياه والقانون التوجيهي للمدينة وحماية الأنواع الحيوانية والمساحات الخضراء والصحة...إلخ.
ثانيا: نصوص قانونية عامة و سلطة تقديرية واسعة
إذا حاولنا فحص أحكام قانون حماية البيئة لعام 2003 نجد أن طريقة وضع القواعد المادية التي توضّح سلطات متخذّي القرار في مجال حماية البيئة تمّت بطريقة مبهمة إذ تضمّنت الأحكام الواردة في الباب الأول من هذا القانون جملة من التوجيهات و المبادئ التي تضبط مضمون القرار الإداري البيئي فجاءت التوجيهات بالنص على ترقية و تنمية مستدامة تراعي تحسين الإطار المعيشي و نوعية الحياة والحفاظ على البيئة ووقايتها من كل أشكال التلوّث و إصلاح الأوساط المتضررة ، وترقية الاستعمال الإيكولوجي و العقلاني للموارد الطبيعية، كما وردت المبادئ التي تحكم القرارات الإدارية في مجال حماية البيئة عامة وخالية من الطابع القانوني، إّذ نصّت على مراعاة مبدأ المحافظة على التنوع البيولوجي و مبدأ عدم تدهور البيئة الطبيعية ...إلخ.
وتعتبر هذه الأحكام و التوجيهات قواعد مادية تخوّل الجماعات المحلية سلطات تقديرية واسعة لتحقيق الأهداف المرجوّة، و بذلك يميل النظام في هذه الصورة إلى المرونة المطلقة لأنه لا يحدد صيغة لاتخاذ القرارات الملائمة لبلوغ هذه الأهداف .
كما نلاحظ عند تصفحنا مواد في قانون الولاية مثل المادة 77 و 78 مواد في قانون البلدية 108، 109 ،110 ،112 التي تتعلق بحماية البيئة قد جاءت عامة و يكتنفها الغموض و دون تفاصيل .
ومنه إذا كان النظام المرن لممارسة الصلاحيات المحلية ايجابيا من الناجية النظرية ، لأنه يستند الى القدرة على الاجتهاد و الإبداع و التأقلم الإداري لمواجهة المشاكل البيئية المستجدة إلاّ أن تطبيق هذا النظام المرن لا يخلو من الصعوبات من الناحية الواقعية ، منها ما يتعلق بنقص الإطار البشري المتخصص المبدع ، و تذبذب المواقف السياسية حول موضوع حماية البيئة ،كما أن من الآثار السلبية لهذا النظام يؤدي إلى عدم المساواة في معالجة مخالفات المنشآت الملوثّة في مختلف ولايات الوطن بالرغم من اتحاد أو تطابق المضار و المخاطر المهددة للبيئة ، حيث يتوقف إصدار القرار الإداري الضبطي المحلي على اعتبارات شخصية خاصة بمصدّر القرار و أخرى موضوعية تخص الواقعة أو المنشأة محلّ التدخل .
وعليه فإنّ السلطة التقديرية الواسعة أصبحت مع عمومية النصوص القانونية و غموضها عبئا ثقيلا على الجماعات المحلية بدلا من أن تكون إمتيازا لها يفعّل صلاحياتها لحماية البيئة.
ثالثا: إحالة مفرطة على النصوص التنظيمية
إذا كنّا قد أشرنا سابقا إلى أن السلطة التقديرية الواسعة التي منحتها النصوص القانونية المتعلقة بحماية البيئة كان لها تأثير سلبي على مصدر القرار الضبطي المحلي البيئي لمواجهة الأخطار أو المضار البيئية الواقعة منها أو المحتملة فإن المشرع وضع ضمن هذه القوانين التي لها علاقة بحماية البيئة صلاحيات مقيّدة تمارس وفقا لنظام شكلي صارم و جامد حيث حدّد فيه بدقة السلطات و ما ينبغي عليها القيام به ، وإذا كان النظام يعدّ أكثر ملائمة للسلطات الإدارية المحلية في الجزائر ، فإن تطبيقه في الحياة العملية لا يسلم من العوائق التي تحد من فعّاليته.
حيث تحيل الكثير من النصوص القانونية المحددة لصلاحيات الإدارة تفصيل وبيان هذه الصلاحيات على النصوص التنظيمية، وهذه ما تسمىّ بإشكالية الإحالة كما يسميّها الأستاذ رداف أحمد فقد تناول قانون حماية البيئة 03-10 ، 31 إحالة و قانون 01-19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها 11 إحالة .
وفي غياب النصّ التنظيمي أو تأخر صدوره لفترة طويلة يتعذر على مصدّر القرار الضبطي البيئي المحلّي إصدار قرارته الضبطية لمواجهة المخاطر البيئية وهذا ما يحدث في غالب الأحيان ، إذ أن تأخر صدور النصوص التنظيمية هي ظاهرة عامة و مقلقة في النظام القانوني الجزائري بصفة عامة أو أن يتحوّل مصدّر القرار المحلي إلى سلطة ناشئة للنص التنظيمي و هو وضع نادر جدا في الممارسة البيئية في الجزائر، وبالتالي فالإحالة تضاعف من متاعب الإدارة المحلية في مجال الضبط الإداري المحليّ ويحّد بشكل لافت من مبادرتها لحماية البيئة .
الفرع الثاني: مشاكل ذات طابع واقعي
إضافة إلى المشاكل ذات الطابع القانوني التي تعترض ممارسة الضبط الإداري المحلي هناك مشاكل ذات طابع واقعي تتمّثل في تفاوت التحديات والمخاطر البيئية بين المناطق و تواضع المؤهلات التقنية والبشرية الواجبة لاتخاذ القرار الإداري الضبطي المحلي كذلك محدودية الموارد المالية وضعف التشاركية في اتخاذ القرار الإداري الضبطي البيئي المحلي .
أولا: تفاوت التحدّيات والمخاطر البيئية بين المناطق
بإستقراء مختلف النصوص التشريعية و التنظيمية المنظّمة لإختصاصات الجماعات المحلية في مجال حماية البيئة سواء تعلّق الأمر بقانون البلدية أو الولاية أو بقية النصوص الأخرى نجد أنها تتعامل كلها مع الأوساط الطبيعية المختلفة و المشاكل البيئية وفق نمط إداري واحد، أي أنها لا تأخذ بتنوّع الخصوصيات الجغرافية و الطبيعية للجماعات المحلية ، رغم إختلافها الجوهري من حيث التكوين الفيزيائي و الطبيعي وكذا تفاوت مواردها المالية وتركيبتها البشرية المؤهلة لمعالجة المشاكل البيئية .
حيث يتنوّع التكوين الطبيعي وخصوصية المشاكل المتعلقة بالبلدية الساحلية * والجبلية و السهبية والصحراوية، ونتيجة لهذه الخصوصيات الفيزيائية و الجغرافية المتباينة لأقاليم الجماعات المحلية عبر التراب الوطني وجب وضع قواعد وبرامج تساهم بفعّالية في تطويق المشاكل الخاصة، عوض إعتماد قواعد موحدّة لتدخّلها .
ثانيا: تواضع المؤهلات التقنية و البشرية الواجبة لإتخاذ القرار الإداري الضبطي المحلي
يتسّم القانون البيئي في معظمه بالطابع التقني والمعقّد، وعليه فقد يتطلب الأمر مواجهة بعض المخاطر البيئية و الوقاية منها مؤهلات تقنية وبشرية معيّنة ذات طابع خاص ومعقّد، كما هو الحال بالنسبة للغازات المنبعثة في الجو أو معالجة النفايات الصناعية الملوّثة للوسط الطبيعي، إذ يرجع تقدير تلك الحالات إلى خبراء متخصّصين وتجهيزات معيّنة وهو ما لا تتوفّر عليه الجماعات المحلية في الجزائر خاصة بالنسبة للبلديات النائية والمعزولة، وإن وجدت تلك المؤهلات في بعض المناطق فهي غير موجودة بأخرى أو توجد عند مستويات متواضعة جدا، ولاشكّ أن مصدر القرار الإداري الضبطي بحاجة ماسّة لمثل هذه الاستشارات التقنية والبشرية التي يبني عليها قراره، ويترجم هذا التواضع في المؤهلات البشرية و التقنية بكثرة الانتهاكات للقوانين والتنظيمات الحامية للبيئة في العديد من مناطق الوطن ما يؤثر سلبا على تطبيق النصوص المتعلقة بها .
وبالرغم من أن قانون البلدية نصّ على إمكانية استعانة رئيس المجلس الشعبي البلدي بصفة استشارية بكل شخصية محلية و كل خبير و/أو كل ممثّل جمعية محلية معتمدة قانونا من الذين من شأنهم تقديم مساهمة مفيدة لأشغال المجلس أو لجانه بحكم مؤهلاتهم أو طبيعة نشاطاتهم .
غير أن تجسيد هذا النص في الواقع تواجهه صعوبات تتعلق بدرجة وعي المنتخب المحليّ و تقبله لفكرة الاستشارة في حدّ ذاتها من جهة، وتوفّر هؤلاء المستشارين و الخبراء في كل البلديات من جهة أخرى .
ثالثا: محدودية الموارد المالية
تعاني مختلف الجماعات المحلية من صعوبات مالية ناتجة عن قلة الموارد المالية و يطرح الأمر بحدّة أكبر بالنسبة للبلديات النائية والمعزولة والتي تقلّ حصيلتها الجبائية نتيجة قلة النشاطات الاقتصادية بها ممّا يجعلها تكتفي بالتخصيص المالي الذي تمنحه لها الدولة، هذه الوضعية المالية تفرض على الجماعات المحلية إقامة مفاضلة بين أوجه صرف عائداتها المالية، ممّا يدفع بها تغليب الإنفاق في غير مجال حماية البيئة والتضحية بها لصالح المتطلبات اليومية لمواطني هذه البلديات .
وكحل لنقص الموارد المالية في بعض الدول كالصين و كولومبيا على سبيل المثال أصدرت قوانين وطنية تخصص بشكل دائم نسبة مئوية من دخل مبيعات الطاقة الكهربائية و المائية للهيئات المحلية من أجل مستجمعات المياه و النوعية البيئية و حماية التربة وبرامج التدريب البيئي لمسؤولي البلديات ، بينما تستخدم دول أخرى رسوم الانبعاث كمصدر محلي للتمويل ، فأنشأ المكتب البلدي لحماية البيئة "تيانجين" بالصين صندوق لمكافحة التلوث الصناعي يموّل بواسطة رسوم الانبعاث .
وبالتالي ومنه فإنّ ضعف الموارد المالية ينعكس على ممارسة الاختصاصات الضبطية البيئية.
رابعا: ضعف التشاركية في اتخاذ القرار الإداري الضبطي المحلي البيئي
تعدّ التشاركية أحد معايير الحكامة الرشيدة في الوقت الحالي، وتلعب مشاركة المواطن وحركات المجتمع المدني دورا مهما لنجاح أي جهود تستهدف حماية البيئة .
المشرّع بدوره تنبّه إلى الدور الذي يلعبه الأشخاص و الجمعيات في مجال حماية البيئة حيث خصصّ فصلا كاملا من الباب الثاني من قانون حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة لسنة 2003 لهذا الموضوع
فنجد أن المادة 36 منه نصّت" تساهم الجمعيات المعتمدة قانونا والتي تمارس أنشطتها في مجال حماية البيئة و تحسين الإطار المعيشي، في عمل الهيئات العمومية بخصوص البيئة، وذلك بالمساعدة و إبداء الرأي و المشاركة وفق التشريع المعمول به".
وخولت هذه المادة للجمعيات إمكانية رفع دعوى أمام القضاء المختص عن كل مساس بالبيئة حتى في الحالات التي لا تعني الأشخاص المنتسبين لها بإنتظام ، بالإضافة إلى المواد 37، 38 .
وهنا يتبادر إلى ذهننا حول بلوغ المواطن و الحركات الجمعوية في الجزائر على المستوى المحلي درجة من الوعي القانوني و الحسّ الجمعوي في ميدان حماية البيئة ؟
لاشكّ أن هذا الإهتمام بالبيئة لا يزال يعتبر هامشيا لدى مواطن جزائري منهمك في تلبية حاجاته اليومية ويبقى في معظم الحالات عند مستوياته الدنيا، وربمّا في المجالات التي تمسّ صحته أو حاجاته الإستهلاكية بصفة مباشرة، كتلوث المياه مثلا أو صرف المياه المستعملة، بل أننا نشهد في الواقع غياب نوع الاستهجان الاجتماعي للسلوكات والانتهاكات البيئية في غالب الأحيان .
كما أن الحركة الجمعوية البيئية لا تزال ضعيفة في الجزائر وتتخبط في مشاكل التمويل و ضعف الحسّ التطوعيّ لدى المواطن و البيروقراطية الإدارية، وهو ما أثرّ سلبا على فعّالية مشاركتها في صنع القرار البيئي، زيادة على التعتيم الذي تمارسه الإدارة البيئية من حيث إتاحة المعلومة البيئية للمواطن عامة وللمهتميّن بالبيئة على وجه الخصوص، إضافة إلى الاستغلال السيء للجمعيات بسبب ضغوط التمويل المتأتّى من تلك الجماعات المحلية .
وتؤثر هذه اللامبالاة في الواقع على درجة تحفيز رجل الإدارة المحلية للتدخّل في مجال حماية البيئة وتنبيهه إلى الانتهاكات التي قد تخفى عليه، أو دفعه إلى التدخل في حالة إمتناعه عن ممارسة سلطاته الضبطية التي خوّلها له القانون كما يحدث في العديد من الدول.
وصفوة القول في ختام هذا المبحث يعتبر الضبط الإداري البيئي أفضل و أهم الوسائل و الأدوات القانونية التي بحوزة الجماعات المحلية في تنفيذ و تجسيد حماية البيئة من جميع الأخطار التي تهددها لا سيما و أنه ذو طابع وقائي بفضل ما يوفره من آليات و تدابير قبلية و بعدية تستعملها سلطات الضبط الإداري للتدخلّ في تحقيق أهدافها البيئية ، كما لا تخلو هذه الوسيلة من معوقات قانونية و واقعية تحول دون ممارسة السلطات الضبطية الإدارية البيئية على المستوى المحلي في الجزائر على أحسن وجه ووفقا للغايات التي يبتغيها المشرع من إسناده لها لتلك السلطات ،ما يتطلب العمل على إزالة هاته العوائق وتسييرها .
المبحث الثاني: التخطيط البيئي المحلي
نظرا لزيادة حدّة المشاكل البيئية من دون إستجابة السياسات البيئية لها، تحتّم على واضعي هذه السياسات أن تتوفر لديهم الأدوات اللازمة لتقليل هذه المخاطر البيئية، حيث تبينّ أن النتائج السياسية المترتّبة على صنع قرار مندفع يكون عادة خاطئا ، و لتصحيح هذه الإختلالات يتوجّب تصحيح مسارات هذه السياسات البيئية و يبدأ التصحيح بتخطيط سليم يقوم على فهم دقيق للمشاكل المطروحة و على تصور واضح للحلول و البدائل.
وهنا ظهر التخطيط البيئي بمختلف طرقه و أشكاله كطريقة جديدة لتسيير البيئة إلى جانب الضبط الإداري البيئي، عن طريق إختيار الأهداف و الاستراتيجيات و الأولويات و البرامج لتحضير الوسائل الملائمة لتنفيذها و مراقبة إنجازها و بذلك يضمن أسلوب التخطيط باعتباره وسيلة تصور مستقبلي و تنبؤ و توجيه تحقيق وقائي مسبق لحماية البيئة .
فهو يعرّف على أنه منهج يقوم و يعدّل خطط التنمية من منظور بيئي أو بمعنى آخر هو التخطيط الذي يحكمه بالدرجة الأولى البعد البيئي و الآثار البيئية المتوقعة لخطط التنمية على المدى المنظور و غير المنظور .
ولتجسيد السياسة الوطنية للبيئة في الجزائر ركزّ المخطط الوطني على تطوير التخطيط و التنسيق المحلي و إدماج الجماعات المحلية في تطبيق التوجيهات التي تضمّنها، و هذا ما سنبينّه من خلال التطرق إلى مفهوم التخطيط البيئي المحلي " مطلب أول" و أنواع المخططات المحلية " مطلب ثاني".
المطلب الأول: مفهوم التخطيط البيئي المحلي
لقد حاول المشرّع الجزائري الاعتماد على آليات حديثة لحماية البيئة يكون من خلالها للجماعات المحلية دور جوهري و أساسي في هذا المجال ، وهذا من خلال التخطيط البيئي المحلي ، الذي أعطت له الدولة الجزائرية أولوية واهتماما كبيرا كأسلوب وقائي للبيئة و ليقينها كذلك أن أي سياسة أو استراتيجية بيئية لا تكون فعّالة إلاّ بمشاركة الجماعات المحلية وهذا ما يقودنا إلى إعطاء تعريف لهذا الأسلوب وبيان عناصره و أهميته في الحفاظ على البيئة .
الفرع الأول: تعريفه
على المستوى التشريعي نلاحظ غياب تعريف قانوني للتخطيط البيئي بشكل عام والتخطيط البيئي المحلي بشكل خاص بالرغم من الإشارة إلى التخطيط البيئي بشكل عام في المادة 03 من القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة ، حيث أشارت إليه في سياق تحديد المبادئ التي يقوم عليها هذا القانون و كذا المادتين 13 ،14 اللتين أشارتا إليه في سياق تحديد الجهة المختصة بإعداد المخططات الخاصة بالنشاطات البيئية ، وكذلك المادة 31 من القانون 01-19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها ، إضافة إلى المرسوم التنفيذي 07-205 الذي يحدد كيفيات و إجراءات إعداد المخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية و ما شابهها الأمر الذي يدعونا لتحديد المقصود منه من خلال المفاهيم الفقهية .
حيث يعرّف التخطيط البيئي على أنه وضع برنامج يتضمّن قواعد و تنظيمات محددة لحماية البيئة ،من خلال التوقع والتنبؤ بالمخاطر والمشكلات البيئية و التي يمكن أن تظهر مستقبلا ، وأخذ الحيطة و الحذر بشأنها عن طريق وضع الخطط اللازمة للوقاية منها و التقليل من خسائرها .
ومنه وممّا سبق و نظرا لغياب مفهوم خاص بالتخطيط البيئي المحلي فإن تعريفه لا يخرج عن نطاق تعريف التخطيط البيئي لكن يكون على المستوى المحلي و بإشراك الجماعات المحلية ، وبالتالي فهو مفهوم ورؤية واعية تعمل كضابط لكل أنواع الخطط الاقتصادية و الاجتماعية التي تستهدف استخدام موارد البيئة بما يحقق لها الاستخدام المتوازن و الآمن على المستوى المحلي ، فعمليات التخطيط البيئي المحلي متكاملة مع عمليات التخطيط للتنمية المحلية و المستدامة حيث يسمح التخطيط البيئي المحلي يإستعاب اهتمامات حماية البيئة المحلية.
الفرع الثاني: عناصر التخطيط البيئي المحلي
على أساس التعريف السابق يقوم التخطيط البيئي المحلي على عنصرين إثنين هما التنبؤ بالمستقبل والإستعداد لمواجهته .
أولا: التنبؤ بالمستقبل
ويقوم على أساس تقديرات و افتراضات يتوقع مخططو الجماعات المحلية" الولاية و البلدية ومجالسهما" وقوعها مستقبلا خلال فترة زمنية معينّة تكون لها تداعيات ضارة على البيئة ، ولذلك يضعون الخطة التي تواجه ذلك مستقبلا و تكون أساسا له، حيث يضعون المخطط الذي يحكمه بالدرجة الأولى البعد البيئي و الآثار المتوقّعة لخطط التنمية .
ثانيا: الاستعداد لمواجهة المستقبل
يجب أن تتسّم أهداف التخطيط البيئي المحلي بالواقعية ، بحيث تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق فعلا ،إذ لا يكفي مجرد توفر الهدف المراد تحقيقه في المستقبل بل يتعيّن أن يتسّم الهدف بالواقعية و القابلية للتحقيق لذلك فإن التخطيط يفترض بالضرورة حل مشاكل الماضي و دراستها استعدادا للمستقبل ، مع حصر كل الموارد و الإمكانيات المتاحة للمستقبل ، كما يتعيّن أن تحدد أفضل الطرق التي تدخل على الافتراضات المستقبلية للاستفادة منها خلال فترة المخطط .
الفرع الثالث: أهمية التخطيط البيئي المحلي
تكمن أهمية التخطيط البيئي المحلي بالدرجة الأولى بوعي الجماعات المحلية بالمسؤولية في حماية البيئة و دورها الفعّال في ذلك لقربها من المواطن و انشغالاته و بالتالي فالتخطيط البيئي المحلي يؤدي إلى ضرورة إيجاد تسيير مستديم للموارد الطبيعية و إحداث تعاون بين البلديات لمواجهة التدهور البيئي .
كما تكمن أيضا أهميته في إعتباره من بين أنجع الوسائل لحماية البيئة و يرجع ذلك لطبيعته الوقائية ، إذ يتحاشى بواسطته حدوث المخاطر و المشاكل البيئية قبل وقوعها ، كما أنه بواسطة هذا النوع من التخطيط يمكن تجنّب الوقوع في التناقض بين السياسات التي تنتجها الأجهزة و المؤسسات التي لها علاقة بحماية البيئة وذلك بسبب أن التخطيط غالبا ما يحدد دور كل من الأجهزة و المؤسسات تلك تحديدا دقيقا و كذلك التنسيق فيما بينها لأجل الحماية الأمثل للبيئة .
كما أن الوقاية من المخاطر و المشاكل البيئية من خلال التخطيط البيئي المحلي يوجب على السلطات المحلية إثراء الأسلوب المحلي البيئي بتوسيع الاستشارة و المشاركة و المشاورة مع كل الشركاء والفاعلين و ممثلي المجتمع المدني.
ويضمّ التخطيط البيئي بصفة عامة في طياّته مشروعات تحقق أرباحا اقتصادية و خير مثال على ذلك مشروعات الاستفادة من المخلفات وإعادة تدويرها، فبدل التخلص منها والتّحمّل في سبيل ذلك نفقات مالية وآثارا بيئية سلبية فإنه يتّم التعامل مع المخلّفات كمورد اقتصادي يتّم من خلال إعادة تدويرها وانتاج العديد من المنتجات .
إنّ التخطيط البيئي من خلال معالجته للمشكلات البيئية و تقويمه لمختلف المشروعات و جعلها لا تنتج آثارا بيئية سلبية يؤدي في نهاية الأمر إلى خلق بيئة صحية آمنة يعيش فيها أفراد أصحّاء بعيدين عن ضغوطات المشكلات البيئية.
كما يكتسب التخطيط البيئي المحلي أهمية كبيرة و ذلك للفوائد الصحية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن تطبيقه ، من التخطيط لزيادة المساحات الخضراء و التشجير في المناطق الحضرية ما يؤدي إلى تنقية الهواء وامتصاص الضوضاء إلى التخطيط لاستخدام الصناعات الصديقة للبيئة والإنتاج الأنظف وإقامة المناطق الصناعية بعيدا عن المناطق السكنية إلى التخطيط لوقف استنزاف الموارد الطبيعية وترشيد استخدامها وفي ذلك منافع اقتصادية كبيرة ، إلى التخطيط لترقية المدينة وإطار الحياة داخل التجمعات العمرانية.
المطلب الثاني: أنواع المخططات المحلية
تعتبر مبدئيا وثائق التهيئة والتعمير المتمثّلة في المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير" PDAU" ومخطط شغل الأراضي "POS" أولى أدوات التخطيط المحلي البيئي، ونتيجة لقصور نظام التخطيط القطاعي العمراني أثناء تنفيذه هذين المخططين و الذي عجز عن تحقيق جميع الأهداف البيئية المحددة، أعيد التفكير في نمط التخطيط البيئي المحلي بالشكل الذي يسمح بإستعاب إهتمامات حماية البيئة المحلية، فتّم استحداث آليات متنوعة للتخطيط البيئي المحلي منها الميثاق " المخطط" البلدي للبيئة والتنمية المستدامة، والمخطط البلدي لحماية البيئة والمخطط الولائي لتهيئة الإقليم ، والمخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية.
الفرع الأول: الميثاق البلدي لحماية البيئة والتنمية المستدامة
أعتمد لأول مرة الميثاق البلدي من أجل البيئة و التنمية المستدامة في إطار برنامج الإنعاش الثلاثي 2001-2004 ،وجاء ضمن أهدافه تحديد الأعمال التي يجب أن تقوم بها السلطات البلدية من أجل الحفاظ على بيئة ذات نوعية جيّدة، وإنتهاج سياسة فعاّلة لتحقيق تنمية مستديمة على مستوى البلديات.
واشتمل هذا الميثاق على ثلاثة أجزاء، تضمّن الجزء الأول منه الإعلان العام الموجّه للمنتخبين المحليين، والمخطط المحلي للعمل البيئي أجندا 21 المحلية لعام 2001-2004، كما شمل عرضا للمؤشرات الخاصة بتقييم البيئة.
تضمّن الإعلان العام إعلان النوايا أو الالتزام الأخلاقي للمنتخبين المحليين تتمثّل في:
- الوعي بالمسؤولية الجماعية لحماية البيئة؛
- وبالدور الفعّال للبلديات لقربها من المواطن؛
- وبضرورة المحافظة على الموارد الطبيعية من أجل تحقيق التنمية المستدامة؛
- وإشراك جميع الفاعلين، من إدارات و جمعيات ومؤسسات وأفراد في المحافظة على البيئة؛
- والإلتزام بعدم نقل المشاكل البيئية الحالية للأجيال القادمة؛
- والعزم على الحد أو التقليل من الانبعاثات الملّوثة ، والإقتصاد في الطاقة، واستعمال التكنولوجيات النظيفة ، وحماية الموارد، وتطوير الفضاءات الطبيعية كالمساحات الخضراء والغابات الموجودة داخل النسيج العمراني.
كما شمل الإعلان الالتزام بتنفيذ برنامج للإعلام و التربية حول حماية البيئة والتنمية المستدامة لصالح المنتخبين المحليين، أعوان الإدارات المحلية وعموم المواطنين، واستعمال وسائل التخطيط و التصور والوسائل التنظيمية والوسائل الاقتصادية وآليات إشراك المجتمع المدني في تسيير البيئة.
وإشتمل المخطط المحلي للعمل البيئي ، والذي يعدّ أرضية عمل تبني عليه الجماعات المحلية سياستها في المحافظة على البيئة، جملة من المحاور تضمّنت:
- ضرورة إيجاد تسيير مستديم للموارد البيولوجية والطبيعية ، وإعتماد نظام التخطيط والتسيير المحلي المبني على إحترام تجانس الخصوصيات الطبيعية لمختلف العناصر الطبيعية؛
- إحداث تعاون بين البلديات لمواجهة التدهور البيئي، وتهيئة المناطق الصناعية؛
- حماية الأراضي الفلاحية؛
- تهيئة المدن، والتسيير المحكم إيكولوجيا للنفايات، وتسيير المخاطر الكبرى؛
- إستشارة المواطنين وإشراكهم في مراحل صنع القرار البيئي؛
- تطوير قدرات البلدية للتكفل بالمشاكل البيئية .
القيام بالتقييم الدوري لحماية البيئة، وإنشاء الوظائف الخضراء.
وتضّمن المحور الثالث المتعلّق بالمؤشرات الخاصة بتقييم البيئة ، قيام البلديات بعمليات جرد و إحصاء لجملة من البيانات البيئية و تقييمها خلال الفترة الممتدّة ما بين 2001- 2004 ، و تخصيص عائدات مالية لكل برنامج مقترح للتدخّل على المستوى المحلي ، ودون أن يوضح الميثاق البلدي للبيئة طرقة تخصيص هذه العائدات المالية.
أما في القانون المقارن تعتبر المواثيق المحلية وسيلة للجماعات المحلية للحصول على دعم مالي، ومن خلال هذا الدعم المالي للأعمال التي تبرمجها الجماعات المحلية تحاول الدولة أن تخلق نوعا من الارتباط بين المنتخبين المحليين والهيئات المركزية.
إلا أنّ نظام عمل الميثاق البلدي حول البيئة و التنمية المستدامة ، ونظرا لحداثته باعتباره التطبيق الأول في الجزائر لازال يثير الغموض حول كيفية التمويل، هذه الإشكاليات العالقة بالمخططات المحلية لا تسمح بتحديد دقيق لعلاقة الجماعات المحلية مع السلطات المركزية في تسيير وحماية البيئة وبذلك لا تتّضح حدود مسؤولية الجماعات المحلية في تنفيذ أو عدم تنفيذ توجيهات هذه المواثيق البيئية المحلية.
واستكمالا للتخطيط البيئي المحلي أوصى الميثاق البلدي لحماية البيئة و التنمية المستدامة بإحداث مخطط محلي للبيئة .
الفرع الثاني: المخطط البلدي لحماية البيئة
أو كما يسمّى أيضا التخطيط البيئي المحلي أجندا 21 المحلي لعام 2001- 2004 ، ففي نتيجة للعجز الكبير الذي آل إليه التدّخل المحلي في مجال حماية البيئة، والإهتمام المتزايد بموضوع حماية البيئة ، اقتنع المخطط الجزائري بأهمية تغيير منهج التدّخل المحلي في تسيير وحماية البيئة بإدخال عنصر التنبؤ و التصور في العمل البيئي المحلي من خلال المخطط المحلي للعمل البيئي البلدي أجندا 21 المحلي لعام 2001-2004 و الذي تمّ النص عليه في الميثاق البلدي حول البيئة والتنمية المستدامة.
تهدف أجندا 21 المحلية إلى تحسين الوضع البيئي وضمان تنمية مستديمة للبلدية على نحو ما أقرّه المجتمع الدولي في يونيو 1992 في ريوديجانيرو ، كما حثت على إثراء أسلوب التسيير المحلي البيئي بتوسيع الاستشارة و المشاركة و المشاورة مع كل الشركاء و الفاعلين و ممثّلي المجتمع المدني ، وتبنّي الجماعات المحلية المجانسة طبيعيا تخطيط بيئي متجانس و برامج مشتركة لمكافحة التلوّث أو للمحافظة على العناصر البيئية وذلك بإحداث أدوات و آليات للتعاون فيما بينها من أجل تسيير البيئة تسييرا فعالا وغير مكلف .
وتضّمن مخطط التسيير المحلي لحماية البيئة:
- ضمان التسيير المستديم للموارد الطبيعية و البيولوجية؛
- وتهيئة المناطق الصناعية ومناطق التوّسع السياحي، والمناطق المحمية، والمواقع الأثرية والثقافية والتاريخية وتسييرها؛
- وترقية المدينة وإطار الحياة داخل التجمعات العمرانية؛
- وتسيير النفايات، ومكافحة تلوث الأوساط المستقبلة من ماء وهواء وتربة؛
- والمحافظة على الأراضي الفلاحية .
وهكذا يتّم التكامل والتنسيق بين مختلف البلديات التي تشترك في أوساط بيئية متجانسة أو تواجهها مشاكل بيئية موحدة وكذا التنسيق مع مديريات البيئة.
ومن خلال معالجة شكلية على مستوى الأدوات القانونية، نجد أن هذين المخططين لم يصدرا في شكل
مراسيم بل تعليمات فحسب في حين باقي المخططات صدرت بمراسيم .
الفرع الثالث: المخططات الولائية لتهيئة الإقليم
صدر النص حول هذه المخططات ضمن مقتضيات المادة 53 من القانون 01-20 المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة و تهدف إلى :
- تنظيم الخدمات المحلية ذات المنفعة العمومية.
- تهيئة وتنمية المساحات المشتركة بين البلديات .
يتخّذ الوالي عملا بأحكام المادة 54 مبادرة إعداد مخطط تهيئة إقليم الولاية، تحدد كيفيات إعداد مخطط إقليم الولاية عن طريق التنظيم، كما يعّد مخطط تهيئة إقليم الولاية للمدة التي يشملها المخطط الجهوي لتهيئة الإقليم، ويعرض على المجلس الشعبي الولائي للمصادقة عليه، تتّم المصادقة على مخطط تهيئة إقليم الولاية عن طريق التنظيم .
الفرع الرابع :المخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية
إضافة إلى المخططات المحلية السابقة جاءت المادة 30 من القانون 01-19 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها لتنص على المخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية وما شابهها الذي يتضّمن أساسا:
- جرد كميّات النفايات المنزلية وما شابهها و النفايات الهامدة المنتجة في إقليم البلدية مع تحديد مكونّاتها و خصائصها؛
- جرد و تحديد مواقع ومنشآت المعالجة الموجودة في إقليم البلدية؛
- الإحتياجات فيما يخص قدرات معالجة النفايات لاسيما المنشآت التي تلّبي الحاجات المشتركة لبلديتين أو مجموعة من البلديات مع الأخذ بعين الإعتبار القدرات المتوّفرة؛
- الأولويات الواجب تحديدها لإنجاز منشآت جديدة؛
- الإختيارات المتعلقة بأنظمة جمع النفايات و نقلها وفرزها مع مراعاة الإمكانيات الإقتصادية والمالية الضرورية لوضعها حيز التطبيق .
ونشير إلى أنّ المخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية وما شابهها يتمّ إعداده تحت سلطة رئيس المجلس الشعبي البلدي، حيث يجب أن يغطّيّ هذا المخطط كافة إقليم البلدية وأن يكون مطابقا للمخطط الولائي للتهيئة ويصادق عليه الوالي المختص إقليميا وقد أحال المشّرع الجزائري مسألة كيفيات إعداده إلى التنظيم ، وهو ما جسّد فعلا من خلال المرسوم التنفيذي 07-205 الذي يحدد كيفيات وإجراءات إعداد المخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية و ما شابهها و نشره ومراجعته حيث يعلّق مشروع هذا المخطط لمدّة شهر في مقر البلدية و يوضع تحت تصرف المواطنين لإبداء الرأي فيه ، كما يمكن الإستعانة بخدمات الوكالة الوطنية للنفايات عند إعداد مشروع هذا المخطط .
يرسل مشروع المخطط إلى المصالح الولائية المعنية لدراسته و إبداء الرأي فيه ثمّ تتّم دراسته و الموافقة عليه خلال مداولات المجلس الشعبي البلدي ويصادق عليه بقرار من الوالي المختص إقليميا طبقا لأحكام المادة 31 من القانون01-19 المتعلق بتسيير النفايات .
ويتضمن مرسوم التنظيم الحالي لتسير النفايات المنزلية ملحقا لنموذج المخطط البلدي ، و يشتمل على 03 أجزاء، الجزء الأول منه يتضمن تحديد النشاطات الحضرية المنتجة للنفايات المنزلية وما شابهها والنفايات الهامدة كذلك خصائص النفايات المنزلية و ما شابهها ، فحص تنظيم المصالح المكلفة بتسيير النفايات، جرد وتحديد المواقع و منشآت المعالجة الموجودة في إقليم البلدية .
أما الجزء الثاني من هذا المخطط فيتضمّن المخطط الجديد المنظم لتسيير النفايات المنزلية وما شابهها من خلال تقدير التطور الكمّي والنوعي للنفايات المنزلية والنفايات الهامدة باعتبار النمو الديمغرافي ومسارات النمو الإقتصادي وكذا إمكانيات تقليص إنتاج النفايات عند المصدر، وكذلك إنتقاء الخيارات المتعلقة بأنظمة جمع النفايات ونقلها وفرزها مع مراعاة الإمكانيات الاقتصادية والمالية الضرورية لوضعها حيز التنفيذ، خاصة ما تعلق بالتقسيم الملائم للبلدية إلى قطاعات وأوقات الجمع والوسائل البشرية والمادية اللازمة وإمكانية تنظيم وتطوير أسواق إسترجاع النفايات وتثمينها ، بالإضافة إلى تقدير وتطوير القدرات اللازمة لمعالجة النفايات مع إبراز الأولويات الواجب تحديدها لإنجاز منشآت جديدة لفرز النفايات ومعالجتها وإزالتها.
أما الجزء الثالث يتمحور حول تقدير الإستثمارات اللازمة لتنفيذ المخطط البلدي لتسيير النفايات المنزلية وما شابهها .
النظام القانوني للمخططات المحلية
نتيجة لحداثة إعتماد نظام التخطيط البيئي المحلي فإنه لا يزال يشوبه غموض في جوانب متعددة من بينها عدم وجود هيئات محلية متخصصة تقوم بالعمل التنبّؤي الخاص بحماية البيئة بمفردها ، ذلك أن الطريقة التي أعتمدت بها هذه المخططات البيئية المحلية " الميثاق البلدي من أجل البيئة و التنمية المستدامة و التخطيط البيئي المحلي أجندا 21 المحلي لعام 2001- 2004" تمّت عن طريق فتح نقاش عام حول حالة البيئة تحت إشراف وزارة تهيئة الإقليم و البيئة .
هذه التجربة الأولى للتخطيط البيئي المحلي تدفعنا للبحث في القوانين المقارنة عن كيفية إعتماد هذه المخططات و المواثيق المحلية ، إذ نجد أن تجربة التخطيط البيئي المحلي في فرنسا تمّت بطريقة مختلفة بحيث تمّ وضع المواثيق البيئية في إطار عقود البرامج بين الدولة من جهة و بين الجهات المحلية من جهة أخرى بواسطة إتفاقية تفاوضية وليس بأسلوب المنحة كماهي عليه التجربة الجزائرية .
ويبيّن أسلوب إعتماد المواثيق المحلية في التجربة الفرنسية والذي يتمّ بالإتفاق بين الدولة و الجهات ومن خلالها البلديات فإنه يهدف إلى إحداث إنسجام وتكامل بين المخططات المحلية في الجانب اللامركزي مع عدم التركيز في النمط المركزي المتمثّل في المديريات البيئية على المستوى المحلي والقضاء على الإنفصال والتناقض الحاصل في نظم التسيير المحلية، ومن أجل أن يحمل المخطط المحلي التطلعات والتوجيهات المركزية .
وبذلك نجد أن المواثيق البيئية في الجزائر وضعت بطريقة المنح و بدون وجود أي تنسيق مسبق بين الجماعات المحلية المتجانسة جغرافيا و طبيعيا أو المنضوية ضمن نفس الجهة الواحدة فيما بينها و بين الجهات المركزية، ولهذا تميزت هذه المواثيق و المخططات بالطابع المحلي المحض، الذي لا يخرج عن التوزيع الكلاسيكي للصلاحيات المحلية - بلدية، ولاية-، وترتيبا على ذلك لم تساهم المواثيق البيئية المحلية في تجسيد نظام التخطيط الجهوي وإنحصرت ضمن أساليب التسيير المحلي التقليدية .
هذا الإختلاف الجذري في طريقة وضع المواثيق و المخططات البيئية يوّضح أن المخططات المحلية للبيئة لم تحدث أي تغيير في نمط التسيير المحلي على مستوى التنسيق بين مختلف الجماعات المحلية المتجانسة طبيعيا ولا على مستوى تعزيز ربط التخطيط البيئي المحلي بالتخطيط البيئي المركزي .
هذا الغموض في النظام القانوني للمخططات المحلية كان للاعتبارات التالية:
- من حيث القيمة القانونية فهي لم تصدر بقانون أو مرسوم تنفيذي مثل ماهو عليه الحال بالنسبة لمخططات التهيئة والتعمير بل جاءت بعد نقاش عام فتحته وزارة البيئة و تهيئة الإقليم؛
- أنه لا يمكن الإدّعاء بها أمام القضاء نظرا لعدم إلزاميتها كونها ذات طابع أخلاقي و معنوي تقوم على تحسيس الجماعات المحلية بضرورة المحافظة على البيئة و لا تفرض عليها أعباء أو التزامات قانونية .
إضافة فإنها تساهم من ناحية أخرى في تضخيم النصوص والوثائق و تزيد من تمييع مسؤولية الجماعات المحلية في حماية البيئة بفعل تحويلها إلى مسؤولية أخلاقية .
ومنه و ختاما لهذ المبحث يمكن القول أن التخطيط البيئي المحلي باعتباره أسلوب حديث لحماية البيئة يعمل على تكريس أحد المبادئ الهامة التي تستند إليها التنمية المستدامة ألا وهو مبدأ إدماج البعد البيئي ضمن إستراتيجية التنمية المحلية حيث يشكّل رؤية واعية تعمل كضابط من خلال التنبؤ بالمخاطر المحدقة بالبيئة و من ثمّة ايجاد الحلول المستقبلية .
كما أن نجاح أي استراتيجية بيئية أو أي أسلوب و التي من بينها التخطيط البيئي لا تكون ناجعة وفعّالة دون إشراك الجماعات المحلية و التنسيق معها لاسيما وأنها الأقرب إلى المشكلات البيئية في الواقع، بالإضافة إلى أنّ فرص نجاح التخطيط البيئي المحلي يرتفع إلى حدّ كبير إذا ما تمّ أخذ عنصر المشاركة الشعبية بعين الاعتبار عند اعداد وتنفيذ المخططات البيئية المحلية، حيث أن الأفراد المحليين أكثر إرتباطا ببيئتهم و إدراكا لمشاكلها، ولذلك فإنّ مشاركتهم يوفّر للمخططّين البيئيين بيانات ومعلومات قيّمة وتفهما أفضل ، كما يكسب تأييدهم و تقبلهم للمشاريع المدرجة في المخططات البيئية.
غير أن ما يعاب على المخططات البيئية المحلية هو الطريقة التي اعتمدت بها حيث يجب إعادة النظر فيها من خلال تحضير لجان عمل متعددّة القطاعات وإشراك فعّال لكل الشركاء مع بيان النظام القانوني لهذه التوجيهات التي تتمخض عن عمل هذه اللجّان إلى جانب التوجيهات الأخرى المجسدة في مختلف أدوات التخطيط العمرانية والقطاعية والمحلية من أجل القضاء على كل تعارض أو تضارب في الأهداف والوسائل التي تتضمنها وثائق التخطيط البيئي المحلي .
المبحث الثالث: المرفق العام كوسيلة لحماية البيئة
إنّ الضبط الإداري و المرفق العام يشكّلان موضوع النشاط الإداري ، إذ تجري بسببهما و تدور حولهما كل التصرفات القانونية اللازمة لحماية البيئة إلاّ أنّ ثمّة فوارق من حيث الأسلوب في ممارسة السلطة ، إذ أنّ السلطة في الضبط الإداري أكثر قوة منها في المرفق العام و تقوم على الأمر و النهي على أساس أنّ حماية النظام العام و الصحة العامة تتطلب الحزم و الجزم في ضبط و تقييد حرية الأفراد ، في حين نجد أسلوب ممارسة السلطة في إدارة المرفق العام تختلف بإختلاف طبيعة المرفق لاسيما المرافق الإقتصادية و المهنية حيث يغلب عليها طابع الإدارة و تكاد تتجرد من طابع السلطة ، كما أنّ المرفق العام وسيلة بيدّ الدولة و الجماعات المحلية لتنفيذ الخدمة العمومية و التي من بينها الحفاظ على البيئة وتهيئة المساحات الخضراء مثلا.
المطلب الأول: إنشاء المرفق العام
يكتسي موضوع المرفق العام أهمية بالغة فهو يعدّ محور القانون الإداري بل أنّ هناك من يعرّف القانون الإداري بأنه قانون المرافق العامة وهكذا سعت الجزائر للإعتماد عليه كوسيلة لحماية البيئة .
الفرع الأول: تعريف المرفق العام
عرّفه الأستاذ عمار عوابدي بأنه مشروع ذو نفع عام يرتبط بإدارة عامة ويخضع للسلطة العامة ولنظام قانوني خاص و استثنائي وتنقسم المرافق العامة من حيث طبيعة وموضوع نشاطها إلى مرافق عامة إدارية و مرافق عامة إجتماعية ومرافق عامة إقتصادية .
كمّا عرّفه الأستاذ ريفيرو بأنه نشاط يهدف إلى تحقيق الصالح العام، وعرفته محكمة العمل الأردنية بأنه حاجة جماعية بلغت من الأهمية مبلغا يقتضي تدّخل الحكومة لكي توفرها للأفراد باستخدام وسائل القانون العام سواء كان الأفراد يستطيعون بوسائلهم الخاصة إشباع تلك الحاجة أو لا، أي أنّ الأساسي في المرفق العام هو ضرورة وجود خدمة عامة يهدف بها المشرّع إلى إدارتها من طرف الحكومة مباشرة أو بواسطة ملتزم تحت إشرافها .
فلا يوجد مرفق عام لا يحدث منفعة عامة و يكون مستغل مباشرة من طرف الدولة أو الجماعات العامة أو على الأقل تراقبه وتتحمل مسؤوليته بطريقة غير مباشرة .
فهو نشاط ذو منفعة عامة يمارس من طرف شخص عام أو كل نشاط أثناء تأديته يضمن أو يراقب أو ينظم من طرف الدولة .
وبما أنّ نشاط الجماعات المحلية يعدّ حجر الزاوية لكل سياسة عامة ناجحة و متماسكة لأي دولة والتي تندرج ضمن إستراتيجية الدولة للتنمية المستديمة نجد أن قانون الولاية و البلدية ينصان على إنشاء مرافق أو مصالح عامة بلدية و ولائية من ضمنها التي تعنى بحماية البيئة .
الفرع الثاني: كيفية إستحداث المرفق العام المحلي الخاص بالبيئة
إنّ المرافق العامة المحلية ذات أهمية بالغة بإعتبار أنها تشكل أفضل تجسيد مادي و تمثيل واقعي لفكرة الديمقراطية و نجاعتها ومظهر من المظاهر الرئيسية لقوة اللامركزية و احدى المصادر الهامة لمشروعية الجماعات المحلية و لمسيّريها و التي تضع المنتخبين و الإداريين في خدمة المواطن وراحته لذلك نجد أنّ المشرّع الجزائري أعطى للجماعات المحلية صلاحية إنشاء و إستحداث مرافق عامة محلية ، حيث ينصّ كل من القانون البلدي و قانون الولاية على ذلك.
ففي مجال حماية البيئة بصفة عامة و التي موضوع حديثنا وفيما يتعلّق بالمرافق العامة البلدية تنص المادة 149 من القانون البلدي 11-10 على أنّ البلدية تحدث إضافة إلى مصالح الإدارة العامة مصالح عمومية تقنية قصد التكفل على وجه الخصوص بما يأتي :
- التزويد بالمياه الصالحة للشرب و صرف المياه المستعملة؛
- النفايات المنزلية و الفضلات الأخرى؛
- المحاشر؛
- المذابح البلدية؛
- المساحات الخضراء.
ويشترط لصحة قرار إنشاء المرافق العامة البلدية إجراء مداولة من طرف المجلس الشعبي البلدي لأنها تدخل في شؤون هذا المجلس و بالتالي تعالج عن طريق المداولات .
كما يمكن للولاية وطبقا للمادة 141 من قانون الولاية إنشاء مصالح عمومية ولائية في ميدان الطرق والشبكات المختلفة، النظافة والصحة العمومية ومراقبة الجودة وحماية المساحات الخضراء قصد تلبية الحاجات الجماعية لمواطنيها وهذا بموجب مداولة المجلس الشعبي الولائي، وتحدد كيفيات تطبيقات هذا الحكم المتمثل في إنشاء هاته المصالح العمومية عن طريق التنظيم.
ونظرا لتعدد مظاهر تدخل الدولة في مختلف المجالات والميادين فقد ترتّب على ذلك تنوع أساليب تسيير وإدارة المرافق العامة بما ينسجم مع الظروف التي تحيط بمجال تدخّل الإدارة .
المطلب الثاني: طرق إدارة المرفق العام المحلي الخاص بحماية البيئة
إنّ عملية تنظيم و تسيير المرافق العامة المحلية أو الوطنية هي عملية جوهرية وهي من الأهمية بمكانة تجعلها عملية مصيرية و حيوية للحياة العامة لذلك تختلف طريقة إدارة المرافق العامة بحسب طبيعة تدخل الدولة في نشاطها فنجد أن الدولة أو الجماعات المحلية هي من تحتكر النشاط وتراقب سير المرفق و نشاطه و هذا ما يسمّى بالتسيير المباشر وأحيانا تلجأ إلى تفويض تسيير المرفق العام بأن يعهد تسييره إلى شخص من أشخاص القانون العام أو الخاص .
إذن فطرق إدارة المرفق العام المحلي الخاص بحماية البيئة يسيّر إمّا مباشرة من طرف الجماعات المحلية " الولاية، البلدية" أو عن طريق التفويض وقد جاءت المادة 150 من قانون البلدية محددة لذلك.
الفرع الأول: التسيير المباشر "الكلاسيكي" للمرفق العام المحلي الخاص بالبيئة
بما أن موضوع حماية البيئة أصبح يحظى بالاهتمام الكبير على المستوى المحلي هذا ما جعل الجماعات المحلية تعتمد في تسييرها للمرافق العامة المحلية الخاصة بحماية البيئة على أسلوبين هما الاستغلال المباشر و أسلوب المؤسسة العمومية.
أولا: الاستغلال المباشر
يقصد بالاستغلال المباشر للمرافق العامة المحلية الخاصة بحماية البيئة من طرف الجماعات المحلية
" ولاية، بلدية" سدّ حاجات مشتركة ومنافع معيّنة لسكان إقليم معيّن "ولاية، بلدية" كتسيير مرفق النظافة ، فهو التسيير الذي تقوم من خلاله الجماعات المحلية بإدارة مرفق من مرافق حماية البيئة" النظافة، تطهير المياه، المساحات الخضراء" مستعينة بأموالها وموظّفيها ومستعملة في ذلك وسائل القانون العام، فلا يملك المرفق العام استقلالية مالية ولا جهاز تسيير خاص به ولا شخصية معنوية مستقلة ويخضع للقانون العام .
وقد نصت المادة 151 من القانون البلدي على أنه يمكن للبلدية أن تستغّل مصالحها العمومية عن طريق الاستغلال المباشر ، كما أنّ قانون الولاية نصّ على إمكانية المجلس الشعبي الولائي أن يستغل مباشرة مصالحه العمومية عن طريق الاستغلال المباشر وهو الذي يحدد أي المجلس المرافق التي يقرر استغلالها عن طريق الاستغلال المباشر ، والتي من بينها المرافق الخاصة بحماية البيئة كالمساحات الخضراء ، النظافة والصحة العمومية و التي وردت في المادة 141 من القانون نفسه.
لكن ونظرا لتشعب مجال حماية البيئة وكثرة مرافقها جعل هذا النوع من التسيير " الاستغلال المباشر" عاجز أمام تزايد احتياجات المواطنين في الحصول على بيئة نظيفة ، كما أثقل كاهل الجماعات المحلية و بالتالي نقص الفعّالية والمردودية مما جعلها تلجأ إلى طريقة يبقى من خلالها المرفق يسيّر من طرف شخص عام وهي المؤسسات العمومية.
ثانيا: اسلوب المؤسسة العمومية
سعيا منها " الجماعات المحلية " إلى تحسين تسيير المرافق العامة وجعلها أكثر مردودية وفعّالية لإشباع حاجات المواطنين في جميع الميادين والمجالات بما فيها المجال البيئي عن طريق حماية البيئة والحفاظ عليها لجأت إلى الاعتماد على أسلوب المؤسسة العمومية.
هذا الأسلوب يعتبر وسيلة من وسائل إدارة المرفق العام سواء الوطني أو المحلي و أكثرها انتشارا، فالمؤسسة العمومية هي طريقة وسطى لتسيير المرفق العام بين التسيير المباشر La Régie وتفويض المرفق فهي شخص عمومي يقوم بنشاط متخصص وتعتبر كأداة اللامركزية التقنية " المرفقية" والسبب في اللجوء للمؤسسة العمومية هو البحث عن تحسين الخدمة العمومية بمنحها نوع من الاستقلالية القانونية و الإدارية و المالية ، هي شخص معنوي خاضع للقانون العام و هي مكلّفة بتسيير مرفق عام .
و قد نصّ القانون البلدي 11-10 على إمكانية البلدية إنشاء مؤسسات عمومية بلدية من أجل تسيير مصالحها والتي من بينها الحفاظ على البيئة من خلال إنشاء مؤسسات تسيير النظافة أو الاهتمام بالمساحات الخضراء و الغابات ، صرف المياه المستعملة ، و التي وردت كلها في المادة 149 من القانون نفسه، كما نصّت المادة 154 منه على أن تكون المؤسسات العمومية البلدية ذات طابع إداري أو ذات طابع صناعي وتجاري و تحدد قواعد تسيير و تنظيم المؤسسات العمومية البلدية عن طريق التنظيم .
كذلك جاء القانون الولائي 12-07 في نفس المسعى على إمكانية المجلس الشعبي الولائي أن ينشئ مؤسسات عمومية ولائية تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي قصد تسيير المصالح العمومية وتكون ذات طابع إداري أو ذات طابع صناعي تجاري حسب الهدف المرجوّ منها و تحدث بموجب مداولة من المجلس الشعبي الولائي ، و تكون في عدة مجالات منها النظافة و الصحة العمومية ، المساحات الخضراء .
الفرع الثاني: تفويض إدارة المرفق العام المحلي الخاص بحماية البيئة" تسيير غير مباشر
إنّ تحقيق الأهداف المنشودة و المتمثّلة في حماية البيئة يتطلب تحسين سير المرافق العامة المحلية، ومن أجل التحقيق الأفضل لهذه الفكرة بات من الضروري إعادة النظر في سياسة إدارة المرافق العامة المحلية الخاصة بحماية البيئة والتوجه نحو إيجاد طرق أنجع لتسييرها عن طريق تفويض إدارة هذه المرافق المحلية بهدف إشباع حاجات المواطنين في التمتع ببيئة نظيفة و تحقيق سعادتهم و طموحاتهم بعد أن أثبت التسيير الكلاسيكي للمرافق الخاصة بحماية البيئة من طرف الجماعات المحلية عجزه و ذلك لقلّة الكفاءات و نقص الموارد المالية و البشرية.
فتفويض المرفق العام المحلي الخاص بحماية البيئة هو العملية التي تسمح بتخلي أشخاص القانون العام عن الصلاحيات والمهام الضرورية لتسيير مرفق عام و استغلاله لأشخاص من القانون الخاص وبالتالي فهو عقد الذي من خلاله يحوّل شخص من القانون العام تسيير مرفق عام بكل مسؤولياته و بكل ما يحمله من أرباح و خسائر لشخص آخر بمقابل مالي متعلق مباشرة بنتائج استغلال المرفق .
وتفويض المرفق العام المحلي مصطلح واسع يضم عدة طرق " عقود" أهمها عقد الامتياز الذي يعتبر قلب التفويض و أهم صورة له ، وعقد الإيجار إلى آخره من عقود الإدارة و استغلال المعني وغيرها .
أولا: عقد الإمتياز
يعّرف إمتياز المرافق العمومية بأن تعهد الإدارة دولة ، الولاية ، البلدية إلى أحد الأفراد أو الشركات بإدارة مرفق عام و إستغلاله لمدّة معيّنة وذلك عن طريق عمال و أموال يقدّمها الملتزم على مسؤوليته في مقابل تقاضي رسوم من المنتفعين بهذا المرفق وهذا مقابل خدمات يقدّمها لهم في إحدى المجالات ومثال ذلك أعمال النظافة و تسيير النفايات و إزالتها و الخدمة العمومية للتطهير.
وقد نصّت المادة 149 من القانون الولائي على مثل هكذا عقود حيث ورد فيها أنه إذا تعذّر استغلال المصالح العمومية الولائية مثلا مصالح في حماية المساحات الخضراء ، النظافة و الصحة العمومية الواردة في المادة 141 و المادة 146 فإنه يمكن للمجلس الولائي الترخيص باستغلالها عن طريق الإمتياز طبقا للتنظيم المعمول به .
كما جاءت المادة 155 من القانون البلدي ناصّة على أنه يمكن المصالح العمومية البلدية المذكورة في المادة 149 أن تكون محل إمتياز طبقا للتنظيم الساري المفعول ، ومن بين هذه المصالح النفايات المنزلية، صرف المياه المستعملة، المساحات الخضراء.
غير أنّ ما يعاب على المشرّع الجزائري عدم تفريقه بين الإمتياز وتفويض المرافق العامة بالرغم من أنّ أغلب الفقه جعل من الإمتياز قلب تفويض المرافق و أهم صوره حيث نجد ذلك موّضحا في المادة 150 فقرة02 " يمكن تسيير هذه المصالح مباشرة في شكل استغلال مباشر أو في شكل مؤسسة عمومية بلدية عن طريق الامتياز أو التفويض .
ثانيا: عقد إيجار استغلال المرافق العامة المحلية الخاصة بحماية البيئة"L’affermage"
هو عقد بمقتضاه تفوّض هيئة عمومية لشخص آخر قد يكون عاما أو خاصا استغلال مرفق عام مع استبعاد قيام باستثمارات و يتمّ دفع المقابل المالي عن طريق إتاوات يدفعها المرتفقون ، متعلّقة مباشرة باستغلال المرفق ، ولم ينص قانون البلدية أو الولاية على مثل هكذا تسيير لا في المجال البيئي أو مجالات أخرى إلا أن هناك تعليمة لذلك 3.94/842 .
كما لم يتطرق المشرع الجزائري لكافة طرق أو عقود تفويض المرفق العام المحلي ولم يبينها باعتبارها أساليب حديثة في تسيير المرافق العامة حيث لم يذكر عقد إدارة المرفق المحلي ولا عقد مشاطرة الاستغلال" Régie Intéressée " ولا الاستغلال المختلط، بل ظلّ يعتمد في تفويض المرافق العامة المحلية الخاصة بحماية البيئة والمحافظة عليها على عقد الامتياز، وسوف نتناول بعض العقود الخاصة بالبيئة في "المطلب الثالث".
المطلب الثالث: العقود الاتفاقية لحماية البيئة
بالإضافة إلى الطابع التنظيمي الإنفرادي في إدارة البيئة و حمايتها و الذي تتولاّه الدولة والجماعات المحلية من خلال مختلف هيئاتهما تتّم إدارة البيئة أيضا وفق إطار تعاقدي بين الدولة بمختلف هيئاتها ومستوياتها من جهة و أشخاص القانون العام أو أشخاص القانون الخاص من جهة ثانية .
وتتجسّد إدارة البيئة وفق إطار تعاقدي من خلال عدد من العقود بعضها أوجد عن طريق التشريع كعقود التنمية التي تعتبر أداة تنفيذ سياسة التهيئة العمرانية أو عقود تسيير النفايات بين الإدارة و المؤسسات المرفقية، وإلى جانب هذه التطبيقات التي نصّ عليها القانون أوجدت عن طريق الممارسة عقود حسن الأداء البيئي .
إستكمالا للفكرة نفسها هناك إذن أساليب و آليات قانونية تعطي للإدارة المحلية سلطات واسعة في مجال حماية البيئة بواسطة التفاوض و التعاقد بعقود ذات طبيعة خاصة ، هذه العقود هي:
الفرع الأول: عقود التنمية
نصّت على هذا النوع من العقود المادة 59 من القانون 01-20 المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة حيث أشار المشرّع فيها إلى إمكانية إبرام عقود التنمية في إطار تنفيذ المخططات التوجيهية و مخططات التهيئة .
وقد عرّف المشرّع الجزائري عقد التنمية على أنه إتفاقية تشترك فيها الدولة و مجموعة أو عدّة مجموعات إقليمية أو متعامل أو عدّة متعاملين أو شريك أو شركاء اقتصاديين للقيام بأعمال و برامج تحدد إنطلاقا من المخططات التوجيهية و خطط التهيئة لمدّة معيّنة .
فنستشف من هذه المادة أن عقد التنمية هو إتفاق يشتمل أو يتضمّن طرفين ، الطرف الأول يتمثّل في الدولة بمفهوم السلطة المركزية أو في الجماعات المحلية كالولاية و البلدية في حين يتمثّل الطرف الثاني في المتعاملين الاقتصاديين والهدف من هذه العقود هو تنفيذ أعمال منصوص عليها في المخططات التوجيهية وخطط التهيئة في إطار زمني معيّن ، و أحالت المادة 60 إلى التنظيم شروط إعداد أنواع العقود الخاصة بالتنمية ، غير أنه لم يصدر إلى حد الآن ، ممّا يجعل التعرّف على إسهامات هذا النوع من العقود في حماية البيئة غير واضح بشكل دقيق نظرا لحداثة هذه العقود و عدم وجود ممارسات سابقة شبيهة .
وبناءا على المعيار العضوي الذي تظهر فيه الدولة أو الجماعات المحلية ، كالولاية أو البلدية كأحد أطراف عقود التنمية يمكن تكييف هذا الأخير على أنه عقد إداري ، إلا أنّ هذا المعيار ليس كافيا في كل الحالات لتكييف العقد بأنه إداري إذ يمكن أن تخضع بعض العقود التي تبرمها الإدارة للقانون الخاص ، الأمر الذي يقودنا للبحث في موضوع هذا العقد ، فبالعودة للمادة 59 من القانون 01-20 السابق نجد أن موضوع العقد يتعلق بتنفيذ التوجيهات التي تنصّ عليها المخططات التوجيهية و خطط التهيئة العمرانية
وهو بذلك يهدف إلى تحقيق منفعة عامة ومنه فإن مضمون عقد التنمية يتعلق بتنفيذ مرفق عام لحماية البيئة .
وعليه فإنّ عقد التنمية يعدّ عقدا إداريا محضا يخضع لإختصاص القاضي الإداري .
الفرع الثاني: عقود تسيير النفايات
أشار المشرّع الجزائري في القانون 01-19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها بأنّ الدولة تمنح إمتيازات و إجراءات تحفيزية قصد تشجيع تطوير نشاطات جمع النفايات و فرزها و نقلها و تثمينها وإزالتها حسب الكيفيات التي يحددها التنظيم .
وفي هذا الإطار يمكن للبلدية حسب دفتر نموذجي أن تسند تسيير كل النفايات المنزلية وما شابهها أو جزء منها وكذلك النفايات الضخمة و النفايات الخاصة الناتجة بكمياّت قليلة عن الأشغال المنزلية إلى أشخاص طبيعيين أو معنويين خاضعين للقانون العام أو القانون الخاص طبقا للتشريع المعمول به الذي يحكم الجماعات المحلية .
ولجأ المشرّع في اعتماده طريقة التعاقد في تسيير النفايات إلى توجيهات البرنامج الوطني للتسيير المندمج للنفايات الحضرية الصلبة للمدن الكبرى 2002-2004 و الذي أشار بأنّ التسيير المباشر من قبل البلديات أظهر في مختلف دول العالم عجز هذا الأسلوب وهو غير مجدي في الجزائر، ونصّ على ضرورة إسراع السلطات العامة في الجزائر إلى التخلّي عن المرفق العام لتسيير النفايات وتحويله للإستثمار الخاص وعقود الامتياز .
لتكييف عقود تسيير النفايات نستعمل المعيار العضوي لنجد أن أحد أطراف العقد هو شخص ينتمي إلى القانون العام ويفرض دفتر شروط خاص، وبالنظر إلى المعيار الموضوعي نجد أن جوهر العقد ينصبّ على تسيير مرفق عام يتعلّق بتسيير النفايات من خلال عملية جمعها ومعالجتها، وبذلك فإنّ عقد تسيير النفايات المنزلية هو عقد امتياز مرفق عام وهو عقد إداري محض، ويخضع لإختصاص القاضي الإداري .
ولأنّ عقود تسيير النفايات تندرج في إطار عقود إمتياز المرافق العامة فإنّ المتعاقد سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا الحق في التحصيل الضريبي و الرسوم ، وزيادة على ذلك يمكن الإستفادة من الحوافز التي تمنحها الدولة لدعم وتطوير نشاطات جمع النفايات وفرزها ونقلها وتثمينها وإزالتها حسب الكيفيات التي يحددها التنظيم .
هذا وتتضمّن مجمل الخدمات الخاصة بتسيير النفايات والتي تقع على عاتق المتعاقد في وضع نظام لفرز النفايات المنزلية وما شابهها بغرض تثمينها، وكذا تنظيم جمع النفايات الخاصة الناتجة بكميات قليلة عن الأشغال المنزلية والنفايات الضخمة وجثث الحيوانات ومنتوجات تنظيف الطرق العمومية والساحات والأسواق بشكل منفصل ونقلها ومعالجتها بطريقة ملائمة، بالإضافة إلى وضع جهاز دائم لإعلام السكان وتحسيسهم بآثار النفايات المضرة بالصحة العمومية و بالبيئة و التدابير الرامية للوقاية من هذه الآثار .
وعلى الرغم من أنّ عقود تسيير النفايات جاء كبديل للأسلوب السابق في تسيير النفايات والذي كان يلقي عبؤها على الجماعات المحلية بمفردها، فإنّ الإلتزام القانوني بتفادي إنتاج النفايات بأقصى قدر ممكن وتثمينها وإزالتها بحسب القدرة وبطريقة عقلانية تقع على كل منتج أو حائزا للنفايات .
الفرع الثالث: عقود حسن الأداء البيئي
يرتكز مفهوم حسن الأداء البيئي على مدى فعّالية أداء المؤسسات من الناحية البيئية ولا يقتصر ذلك على كيفية التعامل مع مشاكل التلوث أو المخلفات الخطيرة أو الإنبعاثات الضارة في الهواء ، ولكّن يمتد ليشمل كل جوانب الأداء البيئي مثل مدى التوافق مع التشريعات البيئية المعمول بها ، ومدى إنسجام تقنيات و أساليب تحسين كفاءة استخدام موارد الطاقة و المياه و كيفية استخدام تحليل دورة حياة المنتجات من أجل تصميمها بشكل يراعي اعتبارات حماية البيئة .
فعقود حسن الأداء البيئي تعتبر في الوقت الراهن من الأساليب الحديثة لإنجاح و تحقيق أهداف السياسة البيئية، ويعتبره الفقه أكثر فعّالية من الوسيلة التنظيمية لأن هذه الأداة تضمن تجنيدا أكبر لمشاركة الملوّثين في تنفيذ السياسة البيئية بسبب الإمتثال الطوعي للأحكام التنظيمية المتضّمنة في عقد حسن الأداء البيئي مقابل إستفادتهم من إعانات مختلفة تقدمها الدولة ويعود سبب نجاح هذا الأسلوب التعاقدي إلى إقتناع الملوثّين بأنهم إن لم يمتثلوا طواعية ومع استفادتهم من الإعانات، فإنّ الإدارة ستلزمهم بتطبيق التدابير الحمائية للبيئة بلجوئها للأسلوب الإنفرادي و بدون مقابل و لذلك يميل المتعاقدون الملوّثون للتجاوب مع هذا الإجراء الإتفاقي أكثر من الإستجابة للإجراء التنظيمي الإنفرادي .
وإقرارا منها بأهمية هذا الأسلوب الاتفاقي في إنجاح السياسة البيئية ، ومع تراكم تبعات التلوث وغياب الرقابة البيئية على المنشآت المصنّفة خلال الثلاث عشريات الماضية ركزت وزارة تهيئة الإقليم والبيئة على النشاطات الاتفاقية والتشاورية في تطبيقها للأحكام المتعلقة بالمنشآت المصنّفة عوض اللجوء إلى التدابير الانفرادية .
أولا: الأساس القانوني لعقود حسن الأداء البيئي
بسبب حداثة النشاطات الاتفاقية باعتبارها أسلوبا لا يزال في مراحله الجنينية في النظام القانوني الجزائري ، اذ لم تكتمل بعض تطبيقاته التشريعية "عقود تسيير النفايات ومعالجة المياه"، كما لم تتضح معالم بعض الممارسات التي لجأت إليها وزارة تهيئة الإقليم من خلال عقود حسن الأداء البيئي ومواثيق الشراكة مع الملوّثين ، وبالعودة إلى النصوص القانونية ذات الصلة خاصة القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة و كذا المرسوم التنفيذي 06-198 المتعلق بالقواعد المطبقة على المنشآت المصنفة لا نجدها تتضمن أي اشارة لهذا النوع من العقود.
وبالتالي فعقود حسن الأداء البيئي لا تستمد وجودها من إطار قانوني معينّ و إنمّا من التجربة الميدانية للإدارة البيئية في إطار دورها لتحقيق سياسة حمائية فعّالة للبيئة .
ثانيا: الطبيعة القانونية لعقود حسن الأداء البيئي
نتيجة للغموض القانوني الذي يعتري عقود حسن الأداء البيئي ، فإنّ محاولة تكييفها لا تعدو أن تكون مجردا اجتهاد نظري ، فبالنظر إلى أن أحد الأطراف العلاقة التعاقدية شخص ينتمي إلى القانون العام وتطبيقا للمعيار العضوي يمكن القول مبدئيا أن عقود حسن الأداء البيئي هي عقود إدارية ، إلا أن هذا التكييف غير دقيق بحكم وجود عنصر الدعم المالي أو التقني كالتزام جوهري يقع على عاتق الإدارة في هذا العقد ، وهو أمر يتنافى و يتعارض مع فكرة العقود الإدارية أو الصفقات العمومية التي تفرض أن الاستحقاقات المالية مهما كانت طبيعتها تستوجب أداء عمل للإدارة ذلك أن نظام الدعم المالي المقدم للمتعاقدين مع الإدارة نجده شائعا في العقود الاقتصادية و التي لا تعتبر عقودا إدارية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى نجد أن العقد الإداري إستقرت أحكامه على وجود شروط استثنائية غير مألوفة، وهو ما لا يوجد في عقود حسن الأداء البيئي .
ونتيجة لكل ما تقدّم يتضح بأن هذه العقود ليست عقودا إدارية وهي بذلك تخرج عن إختصاص القضاء الإداري، كما أنه لا يمكن إعتبارها عقودا تخضع للقانون الخاص لأنّ طبيعة الجزاءات المتعلقة بعدم تنفيذ الالتزامات الاتفاقية في القانون المدني والمتمثلة في البطلان أو الفسخ أو التعويض، لا تحقق فعّالية في صيانة البيئة والمحافظة عليها، ولهذا تخضع هذه العقود إلى منطق قانوني مختلف سواء من حيث القوة الإلزامية ، والتي تستمدها كما يرى الفقه من تبادل المنافع و المصالح بين المتعاقدين أو من حيث الطبيعة القانونية التي تتمتع بها وبحكم أنها عقود لا تخضع إلى أصناف العقود المعروفة في القانون العام أو الخاص ، فإنها تصنّف ضمن جيل النشاطات الاتفاقية والتي إعتبرتها الأستاذة شيخاوي بأنها عقود إدارية غير مسماة أو أنها عقود تقع في حدود المشروعية بسبب عدم وضوح نظامها القانوني .
هذا لا يمنع القاضي الإداري من فحص مدى نجاح الإدارة في إختيار الأداة الملائمة لتنفيذ السياسة البيئية، فعلى الرغم من خروج هذا النوع العقود من نطاق رقابة القضاء الإداري إلا أنّ الإدارة لا تملك الحرية المطلقة في اللجوء إلى مثل هذا الأسلوب الاتفاقي مع الملوث، إذ ما تطلب القانون اتخاذ تدابير ضبطية إنفرادية من قبلها لمواجهة المشاكل البيئية، حيث يتعين عليها الالتزام بإستعمال صلاحياتها الضبطية عندما ينص على ذلك القانون بشكل صريح .
ثالثا: آثار عقود حسن الأداء البيئي
يترتب على عقود حسن الأداء البيئي أثرين أساسيين هما الأول تقديم الدعم من طرف الإدارة للملوّث المتعاقد والثاني مراقبة ومتابعة صاحب المنشأة من طرف الإدارة .
1. تقديم الدعم من طرف الإدارة للملوث المتعاقد: تقوم الإدارة بتقديم الدعم المادي و التقني للملوث المتعاقد بالتناسب مع درجة التزامه بالأحكام الاتفاقية المتعلقة بتخفيض نسب التلّوث ضمن الآجال المحددة في العقد، فإمّا أن يحصل على الدعم المتفق عليه كاملا إذا تبين بعد المراقبة أنه نفّذ جميع التزاماته ، وإماّ أن تلجأ الإدارة إلى تخفيض الدعم أو وقفه ومن ثم ّ تلجأ إلى الأسلوب الانفرادي الردعي .
ولأن الهدف من الدعم المالي و التقني في إطار هذا العقد هو تخفيض التلوث، فإن ّ الإخفاق في تحقيق هذا الأخير يعتبر إهدارا و تبديدا للمال العام و إثراء غير مشروع للملوثين ، لذلك ينبغي أن تكون هناك آليات واضحة تضمن فعالية هذا الدعم أو استعادته في حالة عدم تحقيق النتائج المطلوبة .
وعلى الرغم من إعتبار الفقه أنّ الدعم الذي يحصل عليه الملّوثون من خلال عقود حسن الأداء يعدّ خرقا لمبدأ الملوث الدافع إلا أنّ هذا الدعم يعتبر من الناحية الواقعية لازما لتفادي الصدمة الاقتصادية بالنسبة للملوثين في حالة تطبيق التدابير البيئية بصرامة ، كما أنّ هذا الدعم مؤقت و مرحلي يهدف إلى إعادة الملوث طواعية إلى الإمتثال للأحكام البيئية .
2. متابعة ومراقبة التزامات صاحب المنشأة من قبل الإدارة: يتم فحص تقدّم الأحكام المتعلقة بالعقد من خلال لقاءات دورية تنعقد مرة واحدة على الأقل في السنة ، ويتم تحديد رزنامة الدورات بإتفاق الطرفين، وفي حالة عدم إمتثال المنشأة المتعاقد معها للأحكام الاتفاقية تلجأ الإدارة إلى إنهاء العقد ووقف المساعدات المالية و التقنية و قطع المهل الممنوحة للمنشأة للإمتثال للأحكام القانونية، وإضافة إلى ذلك تلجأ للأسلوب الانفرادي كاتخاذ إجراء الإعذار أو الوقف المؤقت أو النهائي أو الأمر بإعادة الحال إلى ما كان عليه أو اللجوء إلى القضاء المدني أو الجزائي .
رابعا : تقييم عقود حسن الأداء البيئي
يعتبر عقد حسن الأداء البيئي في الوقت الراهن من بين الأساليب الحديثة لإنجاح و تحقيق أهداف السياسة البيئية، ويعتبره الفقه أكثر فعّالية من الوسيلة التنظيمية لأن هذه الأداة تضمن تجنيدا أكبر لمشاركة الملوثين في تنفيذ السياسة البيئية بسبب الإمتثال الطوعي للأحكام التنظيمية المتضمنة في عقد حسن الأداء البيئي مقابل إستفادتهم من إعانات مختلفة تقدمها الدولة .
ويرجع سبب نجاح هذا الأسلوب التعاقدي إلى اقتناع الملوثين بأنهم إن لم يمتثلوا طواعية و مع استفادتهم من الإعانات فإنّ الإدارة والجماعات المحلية ستلزمهم بتطبيق التدابير الحمائية للبيئة بلجوئها إلى الأسلوب الانفرادي وبدون مقابل، ولذلك يميل المتعاقدون الملوثون إلى التجاوب مع هذا الإجراء الإتفاقي أكثر من الإستجابة للإجراء التنظيمي الانفرادي .
الفرع الرابع: التعاقد في مجال معالجة المياه و تطويرها
يشكّل التزوّد بالماء الشروب و الصناعي و التطهير خدمات عمومية و كأصل عام و بحسب المادة 101 من القانون 05-12 المذكور سابقا ، تعتبر الخدمات العمومية للمياه من إختصاص الدولة و البلديات غير أنه يمكن للدولة منح امتياز تسيير الخدمات العمومية لأشخاص معنويين خاضعين للقانون العام على أساس دفتر شروط و نظام خدمة يصادق عليهما عن طريق التنظيم ، كما يمكنهما تفويض كل أو جزء من تسيير هذه الخدمات لأشخاص معنويين خاضعين للقانون العام أو القانون الخاص بموجب إتفاقية .
ويمكن للبلدية أيضا استغلال الخدمات العمومية للمياه عن طريق الاستغلال المباشر الذي يتمتع بالاستقلالية المالية أو عن طريق منح إمتياز تسيير هذه الخدمات لأشخاص معنويين خاضعين للقانون العام .
كما يكلّف صاحب امتياز الخدمة العمومية للماء أو التطهير في إطار الحدود الإقليمية للامتياز باستغلال المنشآت والهياكل التابعة للهياكل العمومية الاصطناعية للماء و صيانتها و تجديدها و إعادة تأهيلها وتطويرها حيث تسمح حسب الحالة بضمان ما يأتي:
- إنتاج الماء انطلاقا من منشآت الحشد والتحويل ومعالجة الماء الموجه للاستعمال المنزلي والصناعي وتوصيله وتخزينه وتوزيعه؛
- جمع المياه القذرة وصرفها وتطهيرها و كذا معالجة الأوحال الناجمة عن التطهير لإزالتها النهائية .
كما يكلف صاحب الإمتياز كذلك بالاستغلال التجاري للامتياز عن طريق ادخال مجموع عمليات الفوترة وتحصيل المبالغ المستحقة على مستعملي الخدمة العمومية للمياه أو التطهير طبقا لنظام التسعيرة .
وفي مجال تسيير الخدمة العمومية المتعلقة بالتزويد بالماء الشروب و التطهير الصناعي تعدّ كل من مؤسسة الجزائرية للمياه" ADE" والديوان الوطني للتطهير ONAأهم الشركاء في هذا المجال.
بالنظر الى المعيار العضوي نجد أن الديوان الوطني للتطهير والجزائرية للمياه يعتبران مؤسسة عمومية ذات طابع إقتصادي وتجاري ، كما تخضع كل منهما في علاقتهما مع الدولة إلى القواعد الإدارية و يعدّان تاجرين في علاقتهما مع الغير ، وبالنظر إلى المعيار الموضوعي يضمن الديوان تسيير امتياز الخدمة العمومية للتطهير الممنوح للأشخاص المعنويين العموميين والخواص وفق إتفاقية تفويض الخدمة العمومية تبرم على أساس دفتر الشروط العامة المنصوص عليها ، كما تتولى الشركة الجزائرية للمياه تسيير الخدمة العمومية للمياه بنفس الطريقة .
ويتداول مجلس التوجه و المراقبة للشركة الجزائرية للمياه في عدّة أشغال من بينها الاتفاقية المبرمة بين المؤسسة و الدولة و/أو الجماعات المحلية من أجل التكفل بتبعات الخدمة العمومية .
كما يكلف الديوان في إطار السياسة الوطنية للتنمية بضمان المحافظة على المحيط المائي على كامل التراب الوطني وتنفيذ السياسة الوطنية للتطهير بالتشاور مع الجماعات المحلية و يكلف بهذه الصفة عن طريق التفويض بالتحكم في الإنجاز والأشغال وكذا استغلال منشآت التطهير الأساسية التابعة لمجال اختصاصه ، ويكلف بإنجاز بعض من برامجه عن طريق المناولة أو الامتياز أو التسيير أو بأي شكل آخر من أشكال الشراكة و بالتالي فسير الخدمة العمومية للماء على مستوى الولاية والبلدية يجب أن يكون موضوع تشاور مع الجماعات المحلية .
ومنه يمكن القول أن المرفق العام المحلي هو وسيلة في يدّ الجماعات المحلية في حماية البيئة من خلال إدارة و تسيير المرافق الخاصة بالبيئة إدارة فعّالة و عالية تعمل على السعي دوما إلى إشباع الحاجات العامة لسكان الإقليم و العمل على كل ما من شأنه تحقيق سعادتهم بالتمتّع ببيئة نظيفة، ولا يتحقق ذلك إلاّ بالأخذ في الحسبان سرعة ومدى تكيّف الجماعات المحلية مع الإصلاحات الجارية والاهتمام الوطني والمحلي بالبيئة و اكتسابها لميكانزمات جديدة تمكّنها من تقديم خدمات ذات نوعية عالية في مجال البيئة وذلك عن طريق مساهمتها الفعّالة في ردّ الاعتبار للمرفق العام المحلي الخاص بالبيئة و فتح المجال للأفراد وأشخاص القانون الخاص للتعاقد معها في هذا المجال بالذات لتحسين سير المرافق العامة المحلية البيئية .
تعليقات
إرسال تعليق